Site icon IMLebanon

“يا ريت عمرها ما كانت تعمِّر بيت”!

رغم الانشغال الجدي لمصر ولنظامها الجديد بازالة خطر الارهاب “الاسلامي الأصولي المتطرِّف” على أمنها واستقرارها، يلاحظ الديبلوماسيون الأجانب وباحثون أميركيون أن الرئيس المصري الجديد يحاول المساعدة على إيجاد تسوية سياسية للحرب الأهلية – المذهبية الدائرة في سوريا. وربما تنطلق محاولته من اقتناع بأن الارهاب الذي يحاول أن يقضي على دولة مصر ومؤسساتها هو نفسه الذي يضرب في سوريا والعراق واليمن وليبيا والصومال، والذي يحاول أن يصل الى لبنان. وفي هذا المجال، تشير المعلومات المتوافرة الى أن الديبلوماسية المصرية استكشفت امكانات انجاز تسوية في سوريا، لكنها اكتشفت أن البيئة ليست ناضجة كذلك بعد. الا أن ذلك لم يُحبِط القاهرة، اذ يبدو أنها مصممة على متابعة جهودها السلمية. ففي أواخر شهر تشرين الأول الماضي، زارها رئيس “الائتلاف الوطني السوري” المعارض لاجراء مزيد من المشاورات مع المسؤولين الكبار فيها، وخصوصاً الذين منهم يمسكون بملف سوريا في ادارتها. أما الخطوط الأساسية لـ”المبادرة المصرية”، اذا جازت تسميتها كذلك، فهي تأليف حكومة “متعددة الطرف” تترأسها شخصية وطنية معروفة ومحترمة، وتضم في صفوفها ممثلين للمعارضة المعتدلة ولنظام الرئيس بشار الأسد. الا أن التقارير الأولية التي وصلت الى المعارضة السورية أشارت الى رفض النظام المذكور هذه الأفكار في صورة قاطعة. وقد دفعها ذلك الى الاعتقاد أن سلبية الأسد كانت مجرد انعكاس لاقتناع راسخ عنده بأن نظامه يربح عملياً المعركة أو الحرب أو الصراع. ويبدو، في رأي جهات أقليمية ودولية عدة منها مصر، أن أحداً في دمشق ليس ذكياً كفاية ليُدرك أن نجاح قوات النظام في كسر المعارضة، اذا حصل ذلك، لن يمكِّنه من استعادة السيطرة على البلاد، ومن حكمه لها بالطريقة نفسها التي حكمها بها والده خلال 40 سنة ثم هو خلال 10 سنوات وحتى نشوب الثورة ضده. ويبدو أيضاً أن أحداً في دمشق لا يُدرك أن النظام السوري فَقَدَ شرعيته، وأن نجاحه في قمع الثورة والمعارضين اذا حصل سيكون موقتاً، إذ إنّ الثورة ستندلع ثانية وثالثة ورابعة… وبعد أوقات قصيرة.

هل تقف مصر وحدها في دائرة المؤمنين بأن لا حل للأزمة – الحرب السورية الا بتسوية سياسية، وتالياً في دائرة الباذلين جهوداً لنزع الألغام من أمامها؟ دول كثيرة عظمى وكبرى ومتوسطة وحتى صغرى تؤمن بأن لا حل عسكرياً للأزمة السورية. لكن قلة منها تبذل جهوداً لذلك، ومنها روسيا التي كانت دولة عظمى أيام الاتحاد السوفياتي والتي تحاول استعادة هذه الصفة بعدما حوَّلها انهياره عام 1989 دولة كبرى. فوزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف يتحدث منذ مدة عن محاولة موسكو توفير المستلزمات اللازمة لاعادة اطلاق المفاوضات بين النظام في سوريا ومعارضيه. وهي تستعد حالياً لاستقبال وزير خارجيته وليد المعلم الذي سيلتقي، اضافة الى زميله لافروف، الرئيس فلاديمير بوتين. وستحصل الزيارة في المستقبل القريب. وفي هذا المجال يمكن القول إنّ الروس يحملون العَلَم نفسه الذي يحمله المصريون في الموضوع السوري. ويجب أن لا يفاجئ ذلك أحداً لأن بوتين سيزور القاهرة في الأسابيع القليلة المقبلة وسط اشارات عدة الى تزايد التعاون بين دولتَيْ مصر وروسيا. وقد أشار لافروف الى أن حظوظ تسوية الأزمة السورية تتحسَّن أو تتقدَّم رغم “التعقيد الأقصى للوضع”.

هل تفعل الولايات المتحدة شيئاً ملموساً، الى مصر وروسيا، في الموضوع السوري؟

هي تدفع وبضغط شديد، يجيب باحثون أميركيون في الاتجاه نفسه. وفي هذا الاطار، تأتي محاولتها لاعادة هيكلة المعارضة السورية العسكرية ولتوحيدها كما لتوحيد المعارضة السياسية. اذ إن استمرارها مقسَّمة ومنقسمة على نفسها سيكون عبئاً على أي جهود ديبلوماسية تبذل لحل الأزمة السورية. وربما في نهاية المطاف تصل الجهات الساعية الى الحل الى اقتناع بأنها بالغت كثيراً في تقدير حجم الصعوبات التي تعوق الحل وعددها. وربما تدرك أن كل ما كانت تحتاج اليه هو موقف حازم ضد الرئيس بشار الأسد لحمله على قبول تسوية معقولة ومعه تعاون جدي مع توزيع للعمل بين أميركا وشركائها الدوليين والإقليميين.

هل “تفاؤل” المعطيات المفصّلة أعلاه في محله؟

“يا ريت، لكن يا ريت عمرها ما كانت تعمِّر بيت” أو تُوقف حروباً تندلع نارها في كل الاتجاهات.