اللواء أشرف ريفي يروي فصولاً من 14 شباط: (4/4)
يعتبر اللواء أشرف ريفي أن «حزب الله» مسؤول عن عمليات الإغتيال وبصمته واضحة. وهو ليس راضياً على حكم المحكمة الدولية على سليم عياش وحده ولكنه يرى أن الحكم عليه هو حكم على الحزب. يكشف أن السيارة التي اغتالت اللواء وسام الحسن أتت من الضاحية والكاميرات رصدتها ورصدت المجموعة التي كانت ترافقها. ريفي يعتبر أن عملية 7 أيار كانت قراراً ينتظر التنفيذ وأن الذهاب إلى الدوحة كان خطأ لأن التنازل الأساسي حصل هناك وأنه كان على الرئيس سعد الحريري أن ينتقل إلى الشمال حيث تمت السيطرة على مجموعات «حزب الله». ماذا يقول ريفي في هذه الحلقة الأخيرة من روايته التي لم تكتمل بعد لأن الوقت لم يحن لكي يسجل مذكراته.
عمليات الإغتيال استمرت بعد اغتيال الرئيس رفيق الحريري. لم يكونوا خائفين من المعلومات التي توصلتم إليها؟
صحيح ولكن ما استسلمنا. كانت أجهزة الأمن مفرفطة. ما في لا تدريب ولا عديد ولا تجهيز ولا خبرة. كنّا بعدنا عايشين بغابة. حتى ما كنا مدرّبين على إدارة مسرح الجريمة. استقدمنا خبراء أجانب لهذه الغاية وكان علينا أن نشتغل لتطوير كل الإمكانيات. اشتغلنا 24 على 24 ساعة وحصلنا على مساعدات. وكان القرار العربي والدولي استكمال التحقيقات وكنا معنيين بهذه القضية وبشخص الرئيس رفيق الحريري. كان لدينا قرار بتنفيذ أي مهمة تتعلق بالأمن الوطني مهما كانت كلفتها. اغتيل وسام عيد وحاولوا اغتيال سمير شحادة وكنت مع وسام الحسن على لائحة الإغتيال وكمّلنا. ثم اغتالوا وسام الحسن.
في اغتيال جورج حاوي وسمير قصير والآخرين من شهداء ثورة الأرز ألم تظهر لديكم أي معطيات؟
بيّن معنا أن القاتل واحد.
من خلال المعلومات أم من خلال طريقة التنفيذ؟
من خلال البصمة. بصمة القاتل. كل مجرم عنده بصمة تظهر في كل جرائمه. وهو يترك أثراً دائماً. الخبير في الإرهاب يعرف القاتل من بصمته في الجريمة التي ارتكبها.
ما كانت البصمة في هذه الجرائم؟
طريقة الإغتيال. كانت محصورة. هناك عملية واحدة كانت مختلفة. اغتيال النائب بيار الجميل الذي اغتيل بإطلاق النار عليه بمسدس وعن قرب وهو في سيارته. الآخرون اغتيلوا بزرع عبوة ناسفة أو بسيارة مفخخة. سمير قصير وجورج حاوي ومي شدياق عبوات ناسفة ألصقت تحت مقاعدهم في السيارات. الآخرون سيارات مفخخة. وليد عيدو وأنطوان غانم وجبران تويني ووسام عيد ووسام الحسن ومحمد شطح وسمير شحادة والياس المر ومروان حماده… قاضي مكافحة الإرهاب الفرنسي جاء إلى لبنان وقال لنا إننا ندور في حلقة مفرغة. قلنا له إن الأمر ليس كذلك. هذه معلوماتنا. وأطلعناه عليها. تبدّلت قناعاته ووافق معنا أن هوية القاتل واحدة.
لماذا ضمت قضايا حاوي والمرّ وحماده إلى اختصاص المحكمة الدولية دون غيرها؟
لأنّها تحمل نفس بصمة اغتيال الرئيس رفيق الحريري. نفس الأشخاص الذين شاركوا في اغتيال الرئيس الحريري كانوا مشاركين في هذه العمليات.
هل كان يجب أن تكمل المحكمة عملها؟
طبعا. صحيح. ظهر في الحقيقة أنّ ما كنّا توصّلنا إليه صحيح وهو أنّ القاتل هو «حزب الله». لم تمرّ هذه المسألة في الأمم المتحدة لأنّها منعت محاكمة الدول والكيانات والرؤساء. ولكن الشخص الذي حكموا عليه سليم عيّاش لا يوجد أي خلاف شخصي بينه وبين الرئيس رفيق الحريري. سياق الحكم أيضا يقول إنها جريمة منظمة وليست جريمة فردية. الأدلّة التي كانت متوفرة حول المتهمين الأربعة كانت ناصعة وقاطعة اعتبروا في المحكمة الدولية أن المطلوب أدلّة أكثر. اهتمّوا بالقاتل أكثر مما اهتمّوا بأهل الضحايا. ولكن في النهاية إدانة سليم عياش تعني إدانة «حزب الله» وفي رأيي كل الجرائم ارتكبها «حزب الله» ما عدا جريمة اغتيال بيار الجميل. اعتقد أن من نفذ هذه العملية تنظيم فتح الإسلام. كانوا قتلوا محافظ بغداد بهذه الطريقة. أُخرجوا من السجون السورية وذهبوا إلى بغداد واغتالوا المحافظ.
ما كان هدف فتح الإسلام من عملية كهذه؟
مخابرات سورية. كان بيار الجميل واعداً جداً في عمله السياسي. قتلوه لأسباب سياسية. عملنا رسوم تشبيهية للقتلة وكنت أضع الرئيس أمين الجميل في الصورة. لم نستطع استكمال التحقيق لأن فتح الإسلام إمّا قُتلوا في معارك مخيم نهر البارد أو هربوا. اعتقدنا في البداية أن القتلة يمكن أن يكونوا من الحزب السوري القومي الإجتماعي ولكن لم نستطع إثبات أي شيء. الذي قتلوه كانوا اتجهوا عن طريق الشفرولية باتجاه دمشق وكانوا يقودون بسرعة. كان هناك رجل دين درزي واصطدمت سيارته بسيارتهم وانكسرت مرآتها فحملها وجلبها إلينا. كانت مرآة سيارة الهوندا سيفيك التي استعملت في عملية الإغتيال وكانت متّجهة نحو البقاع وقد أعطانا الشيخ أوصافها أيضا. قلنا إما ستبقى في البقاع أو ستذهب إلى سوريا أو تعود إلى مخيم نهر البارد. (حصلت عملية الإغتيال في 21 تشرين الثاني 2006 قبل معارك نهر البارد التي بدأت في أيار 2007 وانتهت في أيلول). فتّشنا على السيارة ولم نجدها. الأرجح أنها راحت على سوريا. كانوا في الحقيقة مُرسلين من المخابرات السورية.
– بعد حرب تموز تعرضت مع وسام الحسن لتهديدات مباشرة؟
طبعا. كنا ننام في المكاتب. عندما تعمل على مثل هذه الملفات يكون خصمك مجرماً وقاتلاً. يعني مش عم تتعاطى مع جمعية خيرية أو مع حزب الخضر. كنا نعلم ذلك وما كنا بحاجة لحدا يقلّنا. معتبرين حالنا حكماً على لائحة الإغتيال. وضعوا سيارة انفجرت قرب منزلي في طرابلس (تم تفجير مسجدي السلام والتقوى بواسطة سيارتين مفخختين في 23 آب 2013)، واستطاعوا اغتيال وسام الحسن وقد ثبت في التحقيقات أنهم من «حزب الله». (اغتيل بواسطة سيارة مفخخة في الأشرفية في 19 تشرين الأول 2012).
إذا كان هذا الأمر ظهر في التحقيق فلماذا لم يعلن؟
ظهر في التحقيق ولم يكن نهاد المشنوق وزير الداخلية على قدر المسؤولية. حكى عن هذا الموضوع في ذكرى اغتيال وسام الحسن وقال «عنّا الصورة وناقصنا الصوت». فعلا كان عنده الصورة. كانت توجد كاميرات في الشارع الذي حصلت فيه عملية الإغتيال ولم تتعطّل. بينت من خلالها السيارة عندما وصلت. عاد المحقّقون في فرع المعلومات شهرين إلى الوراء. ظهرت السيارة نفسها أربع مرات وكان يتم ركنها لاغتيال الحسن. في المرة الخامسة تمّت العملية. كانت تأتي باكراً صباحاً مع مواكبة ربّما لتفادي حصول اي حادث اصطدام وكانوا يحجزون المكان الذي سيتم ركنها فيه وعندما تصل تخرج سيارة مركونة في المكان ويتم ركنها محلّها. بتطلع سيارة وبتصفّ سيارة. وتبقى من الصباح حتى الليل حيث كان يتم سحبها. رجعوا الشباب عالكاميرات بشكل تراجعي من شارع التفجير إلى الشوارع التي قبله وظهر أن السيارة أتت من الضاحية الجنوبية من مستودع الإغتيالات. هذه أدلة قاطعة.
عملية 7 أيار
ما كانت الثغرة التي جعلتهم يتمكّنون من وسام الحسن؟
ما حدا بيقدر يدّعي إنّو بيعمل أمن مطلق ميّة بالميّة. منعرف حالنا ومناخد احتياطات ولكن في النهاية عليك أن تتحرّك. هو محترف في القتل ونحن محترفون في الأمن ولكن هو من يملك المبادرة ويترصّدنا. المبادرة بيده. من أين انطلق في تنفيذ اغتيال وسام الحسن؟ الله أعلم. ربّما من الهواتف ربّما من رصد السيارة… ربّما لأنه استعمل هذه الشقّة أكثر من مرة وأكثر من اللازم. كنّا نسكن في المربع الأمني نفسه. طلع منه وسام إلى شقة تبعد شارعين. كنت ضد هذا الأمر ولكن كان رأيه أنّه من الأفضل أن يبدّل مكان السكن كل فترة. طوّل شوي زيادة. كان ضخم البنية قليلاً وكان يجلس وراء السائق وحده في السيارة حتى لا يظهر على المراقبة إذا كانت تحصل من الجهة الأمامية بحيث تبدو السيارة فارغة إلا من السائق. ربما رصدوه في السيارة فصارت هدفاً سهلاً وتمكّنوا منه.
اغتياله يشبه اغتيال النائب جبران تويني في 12 كانون الأول 2005. كلاهما اغتيل بسيارة مفخخة وبعد يوم واحد من عودته من السفر.صحيح. هو طلع من المطار على المكتب بالمديرية بقي بعض الوقت ثم طلع عالبيت.
من يتابع التحقيقات اليوم؟
ما عندي فكرة.
كانت لديكم توقعات بحصول عملية 7 أيار 2008؟
كان لدينا جوّ. مش بالشكل الذي حصل ولكن كنّا عارفين أنو الجوّ مش نضيف. كان صار لهم سنة وشوي محتلّين وسط بيروت ومحاصرين السراي الحكومي وكانوا يأخذون شققاً في بيروت ووقفوا وراء تحركات الإتحاد العمالي العام وتخبّوا بالمظاهرة مثل ما عملوا بالطيونة (أحداث الطيونة في 14 تشرين الأول 2021 لتطيير القاضي طارق البيطار المحقق العدلي في قضية تفجير مرفأ بيروت). كنا الجهاز الأمني الوحيد الذي أوقف دوريتين تابعتين لـ»حزب الله» عند نهر الكلب صباحاً. كان العميد روبير جبور قائد الفهود. كانوا رايحين من جبيل في اتجاه بيروت. وقّفناهم. ولكن بعد الظهر أمر القضاء بإطلاقهم. كانت هناك 22 استقالة لضباط من الجيش وأنا قدّمت استقالتي من قوى الأمن الداخلي. كان هناك عمل عسكري مش أمني. كنا نقوم بأعمال أمنية أما الأعمال العسكرية فكانت مهمة الجيش. اعتبرت أنّ عليّ مسؤولية معنوية فقدّمت استقالتي. طلب مني الرئيسان فؤاد السنيورة وسعد الحريري العودة عن الإستقالة فعدت.
كان هناك سوء تقدير في القرارات التي اتخذتها الحكومة في 5 آب حول موضوع كاميرات المطار وشبكة اتصالات «حزب الله» ورئيس جهاز أمن المطار؟
لا لا. حتى لو لم تُتَّخذ هذه القرارات كانوا سينفِّذون هذه العملية. كانوا ينتظرون أي حجة لتنفيذها. كانوا محضرين حالهم أما قرارات الحكومة فكانت تفصيلاً.
صحيح أنّه كان يتم تحضير ميليشيا سنية لمواجهة «حزب الله» تحت غطاء الشركات الأمنية؟
الشركات الأمنية كانت كذبة كبيرة. «حزب الله» كان يعرف أنّهم مش حرزانين. بدّك سنين لتعمل جهاز أمني وعسكري. بدّك تجهيزات. ما كانوا أبدا بيشكلوا أي خطر على «حزب الله». وهو بيعرف هالأمر. «حزب الله» محترف واللي كانوا عم يعملوا شركات أمنية تجار أكثر مما بيحملوا قضية. المشروع الإيراني كان مقرّر ياخد البلد. ولكن ما فيهم ياخدوا البلد. حتى لو كان في فريق من دون سلاح هناك توازن قائم بشرياً وشعبياً. ما بيقدروا ياخدوا السنّة عالمشروع الإيراني ولا بيقدروا ياخدوا المسيحيين ولا الدروز. كانت مغامرة غير مدروسة وغير عاقلة مبنيّة على أوهام تاريخية وعقائدية.
ولكن عملية 7 أيار خلقت تحوّلاً سياسياً في البلد.
صحيح. السيارة أتت من الضاحية الجنوبية من مستودع الإغتيالات. عملت تحوّل عالأرض صحيح. ولكن هذا التحوّل كان محدوداً جداً. في الشمال انكسروا. بالشويفات انكسروا. أخدوا بيروت الغربية. بيروت ما بتقاتل. ما بتقدر تعمل معركة بقلب العاصمة. كان «حزب الله» معتبر هينة ياخد بيروت وعلى أثر ذلك تنهار المناطق. ولكن هذا الإنهيار لم يحصل. لذلك كان عليه أن يدرك أنه ليس بهذه السهولة تستسلم الناس. كانت لديه مجموعات في الشمال وكان ينتظر نزولها على الأرض. نزلوا ولكن العالم أكلوهم.
أين كانت مجموعاته؟
كان لديه مجموعة هاشم منقارة في المينا. والحزب السوري القومي في الجميزات. وأولاد الشيخ سعيد شعبان في أبو سمرا والحزب العربي الديمقراطي في جبل محسن وبعض المجموعات في البداوي والمنية في عكار.
– تعتقد أن الذهاب إلى الدوحة كان خطأ؟
صحيح. لو كان هناك صمود أكثر ما كان هناك أي داع للذهاب إلى الدوحة. ما كان لازم تخلّي «حزب الله» يترجم انتصارو المحدود على الأرض إلى انتصار سياسي. فرض الثلث المعطل والتقسيمات الإنتخابية وغيرها…
ولكن كان سعد الحريري محاصراً في قريطم ووليد جنبلاط في كليمنصو.
كان يمكن أن ينتقل سعد الحريري إلى الشمال.
كان يمكنه الخروج من بيروت؟
ممكن. إلا إذا كانوا يريدون مسبقاً قتله. ولكن عندما تدخل مواجهة من هذا النوع عليك أن تكون عارفاً مخاطرها وأن تتحمّلها. الدوحة كانت خطيئة جرّت إلى سلسلة تراجعات انتهت بالتسوية الرئاسية.
كانت بداية النهاية لـ 14 آذار؟
الدوحة كانت ضربة على رأس 14 آذار. بعدها بدأ التراجع. سنة 2011 أسقطوا حكومة الرئيس سعد الحريري بعدما كانوا يقولون إنّ أقوى شخصية تمثّل بيئتها تصل إلى الموقع الأول وكان سعد الحريري أقوى شخصية سنية ولكنّهم أسقطوه.
في انتخابات 2009 حصلت 14 آذار على الأكثرية النيابية بعد الدوحة وعلى رغم 7 أيار.
كان التنازل حصل وخلص.
سعد الحريري عمل رئيس حكومة بعد هذه الإنتخابات؟
صح. بس شو أخد قرارات؟ اعطيت «حزب الله» الثلث المعطل ووزارة المالية سلفاً صار بيقدر يعطّلك سلفاً. كان لديك أغلبية بس ما فيك تستعملها. عندك أغلبية وما فيك تحمي قراراتك بسلاحك. هو عندو سلاحو. هنا كانت بداية الإنكسار عندما شعرت أكبر طائفة في لبنان بأنها أضعف فريق. يؤخذ شبابها إلى المحكمة العسكرية وما حدا بيحكي. تستباح حريتهم وما حدا بيحكي. طلعت برّات السلطة. عندما اعتذر سعد الحريري كأنّه لم يكن أحد معنيا بهذا الإعتذار. الناس راغبة بأن يعتذر. في العسكر عندما تكلّف ضابطا بمهمة ولا يكون كفوءاً يمكن أن تعطيه فرصة ثانية ولكن أكثر من ذلك تصير أنت المسؤول عن فشله وأنت غير كفوء. هنا لا مجال للعواطف. هناك مصلحة المجموعة أولا ومصلحة الوطن.