الاحتفال الوطني، الذي احتضنته المختارة في مناسبة تدشين كنيسة «سيدة الدر»، أضاء شمعة في العتمة التي خلّفها فشل ثلاثية الحوار، وتداعياتها السلبية على العباد والبلاد!
تأكيد القيادات السياسية والروحية، وفي مقدمتها الزعيم وليد جنبلاط والبطريرك مار بشارة بطرس الراعي، على التمسّك بالثوابت الوطنية، من عيش مشترك، وصون الوحدة في إطار التنوّع، ونبذ العودة إلى لغة المدفع والعنف، واعتماد الحوار سبيلاً وحيداً لمعالجة الخلافات، وصياغة التفاهمات… مواقف أنعشت الآمال بإمكانية تغلب الوطن الصغير على التحديات الكبيرة التي تواجهه في هذه المرحلة الصعبة، سواء بسبب البراكين المشتعلة حوله في الخارج، أم نتيجة هذا العجز الفاضح للطبقة السياسية في تعاطيها مع الاستحقاقات الداهمة في الداخل.
غير أن مثل تلك المواقف الوطنية الكبيرة، لم تعد وحدها تكفي لإيصال سفينة الوطن إلى بر الأمان، في ظل هذا الانقضاض المبرمج على مؤسسات الدولة ومقدراتها، والذي يظهر بأبشع صوره في الشغور المستمر في رئاسة الجمهورية، منذ سنتين ونيّف، ومضاعفاته السرطانية القاتلة على المؤسسات الدستورية، وفي طليعتها مجلس النواب ومجلس الوزراء.
لسنا في وارد الخوض في تفنيد أسباب فشل ثلاثية الحوار، رغم كل الهالة التي أحيطت بها، وتبين لاحقاً أنها لا تستند إلى أسس صلبة، ولكن يكفي الإشارة إلى الغياب اللافت للآليات التي تسبق عادة موعد انعقاد الجلسات، وفي مقدمها تكليف لجنة تحضيرية مثلاً، يعمل أعضاؤها على إعداد أوراق عمل متناسقة، ومتقاربة في المواقف بين مختلف الأطراف، وذلك من باب تأمين حصول «الحد الأدنى» من التقدّم، في حال فشلت مساعي ربع الساعة الأخير في تحقيق النجاح الكبير.
لا لجنة تحضيرية، ولا ورقة عمل، تمت مناقشاتها مسبقاً، قبل انطلاق جلسات الحوار، ثم لا وقت كافياً للبحث والنقاش، وبالعمق اللازم للقضايا المطروحة على طاولة الحوار!
ولعل تسريب بعض محاضر الجلسات للنشر، ساهم أكثر في فضح سطحية النقاشات التي شهدتها ثلاثية الحوار، تلك النقاشات التي لم ترق إلى مستوى التطرق بالجدية اللازمة للنقاط الخلافية، والتي بقيت عمليات «الأخذ والرد» حولها تدور في أجواء من المكايدة والنكايات!
وجاء غياب جنبلاط منذ اليوم الثاني للحوار، ثم عدم حضور المرشح الرئاسي سليمان فرنجية اليوم الثالث، إلى جانب مقاطعة العماد ميشال عون الجلسات الحوارية، منذ اليوم الأوّل، ليرسم مشهداً سلبياً واضح المعالم، عن مدى الفشل الذي أحاط بهذه الجولة، خاصة بعد المؤشرات الموحية بعدم جدوى الحوار في هذه المرحلة، التي وردت في خطاب السيد حسن نصرالله الأخير، وقبل أيام معدودات من موعد انطلاقة طاولة عين التينة!
* * *
لا أحد يستطيع أن يتجاهل تأثير العوامل الخارجية، من ضغوطات وتدخلات، على الوضع الداخلي الهش في لبنان، وذلك نتيجة المواجهة المحتدمة بين المحور العربي بقيادة المملكة العربية السعودية، والمحور الإيراني بقيادة طهران، والانقسام اللبناني الحاصل بين طرفي المواجهة، وتطورات الحرب المستعرّة في سوريا.
ولكن، باستطاعة القيادات اللبنانية، إذا حزمت أمرها، أن تعالج بعض الملفات المعيشية والاجتماعية الخانقة، بعيداً عن تلك المؤثرات، بهدف توفير متطلبات الصمود وتجنب الانهيارات الداخلية، فضلاً عن أهمية ذلك في تعزيز قدرة الجيش والأجهزة الأمنية، ومعهم كل المجتمع الوطني في التغلب على البؤر الإرهابية، التي تهدد ما تبقى من أمن واستقرار الوطن.
مع استمرار الحوار قطعاً.. ولكن بمسؤولية أكبر، وبجدية أكثر!