بمرارة شديدة أنعى إليكم وطني النهائي والوحيد لبنان، وأنعى إليكم القادة الفاشلين المدعين المرتكبين العاجزين الخاضعين المتواطئين على ابنائهم وأحفادهم، وأنعى إليكم مهاراتهم وشطاراتهم وأفخاخهم التي نصبوها لأهلهم ولأنفسهم ووطنهم الحزين لبنان، وبمرارة شديدة أنعى إليكم المدن والشطآن والأرياف والسهول والجبال والمدارس والجامعات، وأنعى إليكم كل ما كان نقي ونظيف ومتألق ومشرق في لبنان، وأنعى إليكم الاحزاب والجمعيات والإرساليات والسفارات والصحف والإذاعات والتلفزيونات وسعة الاطلاع والاحتراف، وأنعى إليكم الإنجازات والاحلام والبطولات والانتصارات والشعارات والاصطفافات و كل ما كان وما كان سيكون في لبنان.
بمرارة شديدة أنعى إليكم ذاكرتنا الوطنية القريبة والبعيدة وما اختزنت من مشاهدات وتألقات قبل النزاع وبعد النزاع من عقول كبيرة وإبداعات وكتاب ومبادرات، وأنعى إليكم ذكاء اليمين واليسار والمسرح والغناء وأرصفة القلق والابتكار والحرية والتحرير والأحرار والتنوع والتجدد والانصهار والمقاهي والشوارع والساحات والتقدم والعمران، وأنعى إليكم طيور الحمام واليمام والسكينة والامان بعد ان هيمن الحقد والكراهية وتحكمت العدمية والرعونة بالمكان والزمان والإنسان في لبنان.
بمرارة شديدة أنعى إليكم روّاد لبنان، مشرّعين ومجتهدين ومجددين ومتمدنين ومتمدنات، وأنعى إليكم كل قيمنا الجامعة من المحبة الى الوداعة والأمومة والأبوة والطيبة والبساطة والتواضع والانسياب، وأنعى إليكم زمن المخبرين والمخابرات اللبنانية والعربية والاقليمية والدولية بعد ان استفحل الخواء والغباء واصبح لبنان كل ما فيه ادعاء بادعاء وكذب ورياء، وبمرارة شديدة اكتب هذه الكلمات لأخفي ما لا يكتب وما لا يقال عن إدمان الفشل والعجز والضياع، وأنعى إليكم المسؤولية والمسؤولين والسلطة وأدواتها العصبية والقبلية والطائفية والمذهبية التي استخدمت أسوأ استخدام، وأنعى إليكم الخجل والعيب والحرام في بلاد استباح ساستها كل المحرمات.
بمرارة شديدة أنعى إليكم الوطنية والعروبة والقومية والأممية والتقدمية والرجعية والمشرقية والمناضلين والشهداء وكل المؤمنين بلبنان وطن الحرية والإنسان، وأنعى إليكم الإنماء والاعمار والمتعلمين والعلماء والروائيين والشعراء، وأنعى إليكم الاغتراب والمغتربين والعتابا والميجانا والزجل والأصوات الممتلئة بالحب والحنان، وأنعى إليكم لبنان التألق والنجاح والانجاز والاحتراف الذي قتله هواة الفشل والغرور والتطير والجنون.
بمرارة شديدة أنعى إليكم دولة الأوهام في لبنان ورجالاتها فرسان طواحين الهواء، وأنعى المؤسسات والنواب والوزراء والماضي والمستقبل والديموقراطية والانتخابات، وأنعى إليكم الإصلاح ومحاربة الفساد، وأنعى إليكم المظاهرات والإضرابات والثورات والخطابات والشعارات والسترات الصفراء وغير الصفراء، وأنعى إليكم السياسة والسياسيين والوضوح والثبات واوهام التحرر من استبداد الاذكياء والأغبياء، وأنعى إليكم مجتمع التنوع والانفتاح وجسر التواصل بين الثقافات والحضارات، وبمرارة شديدة أنعى إليكم الكذب فقيد كل لبنان.
بمرارة شديدة أنعى إليكم نفسي، لأني لا أستطيع ان اسمي الأشياء بأسمائها ولا أستطيع ان اكتب ما أعرفه حق المعرفة، ولا أستطيع ان اصدق ما اسمعه او ان اصف ما أراه، ولا أستطيع التمييز بين الأفراح والاحزان وبين الخطأ والصواب ولا بين الضحية والجلاد، لأني لبناني اشعر بالقهر والمهانة والاحتقار ليل نهار في وطني النهائي والوحيد لبنان.