IMLebanon

مع إعادة التوازن إلى الساحة المسيحية

بقاء المعادلات الإقليمية على وضعها الراهن، مع انعكاساتها السلبية على التوازنات اللبنانية الداخلية، يوحي بأن ليس في الأفق ما يُشير إلى قرب تحرير الانتخابات الرئاسية، وبالتالي فإن الشغور الرئاسي مرشّح للاستمرار فترة غير محددة، قد تتجاوز 25 أيار المقبل!

الحراك الداخلي لم يستطع حتى الآن فك أسر الرئاسة الأولى، والحوارات المطروحة ما زالت بعيدة عن الشاطئ الرئاسي، والسجالات الدائرة حول آلية عمل الحكومة السلامية، تشير إلى توجس الأطراف السياسية، وخاصة المسيحية، من امتداد الشغور في المركز المسيحي الأول أشهراً أخرى، وبالتالي فهي تتمسك بآلية الأربع والعشرين رئيساً، تحت شعار «الحرص على المشاركة المسيحية في سلطة القرار»!

وفيما الأنظار تتجه إلى الرابية ومعراب، لتتبع مسار الحوار المقترح بين التيار العوني والقوات اللبنانية، إذا بالرئيسين ميشال سليمان وأمين الجميل يفجران مفاجأة سياسية – مسيحية من العيار الثقيل!

الإعلان عن قيام كتلة وزارية مسيحية، تضم ثمانية وزراء من أصل اثني عشر وزيراً، باغتت التحضيرات الجارية لعقد اللقاء المنتظر بين ميشال عون وسمير جعجع، ويكاد يفرغه من مضمونه السياسي والمسيحي!

كل المواقف والبيانات التي رافقت الاتصالات العونية – القواتية، حاولت الإيحاء بأن القرار المسيحي مرجعيته الرابية أولاً، ومعراب، إلى حدّ ما، ثانياً، وأن كلمة الفصل في الاستحقاق الرئاسي ستصدر عن «اللقاء التاريخي» بين عون وجعجع!

 * * *

لم يكن الإعلان عن الكتلة الوزارية المسيحية وليد ساعته، بل جاء نتيجة سلسلة طويلة من الاتصالات والمشاورات بين بكفيا واليرزة من جهة، وبينهما والوزيرين المستقلين بطرس حرب وميشال فرعون، في إطار البحث عن صيغة تعيد التوازن إلى الساحة المسيحية، وتُحرّر القرار المسيحي من سطوة التفرّد والاستئثار، التي يمارسها العماد عون، متذرعاً بحجم كتلته النيابية التي تضم اكثر من نصف النواب المسيحيين، ويلاقيه في منتصف الطريق الدكتور جعجع بحجة تقدمه التمثيلي على الأفرقاء المسيحيين الآخرين.

وتعتبر هذه الخطوة، غير المسبوقة، بمثابة ردّ صاعق على محاولة وزراء الكتلة العونية إبعاد الوزراء المسيحيين الآخرين عن دائرة القرار، عندما اقترح أحدهم تشكيل لجنة وزارية أو مجلس وزراء مصغّر، يضم وزيراً عن كل طائفة، يتولى التقرير في المسائل والملفات المهمة، فضلاً عن ذهاب بعضهم الى حدّ التقليل من أهمية وجود وزراء الرئيس سليمان الثلاثة في الحكومة، على اعتبار أن سليمان أصبح «رئيساً سابقاً» - كذا -، وعدم الاعتراف بدور الوزيرين المسيحيين المستقلين حرب وفرعون، بحجة أنهما لا يمثلان إلا نفسيهما!

وإذا سارت الأمور، كما هو مخطط لها، من التعاون والتنسيق بين الوزراء الثمانية، في جلسات مجلس الوزراء، فإن وزراء تكتل الإصلاح والتغيير سيعانون من عزلة وزارية، ولو بقيت آلية عمل الحكومة على حالها، لأن القرار المسيحي لم يعد حكراً عليهم، بعدما أصبحت أكثرية الوزراء المسيحيين في الجانب الآخر، حيث كانت أصلاً، ولكن أكثر تماسكاً، وأشد صلابة، بعد إعلان اليرزة.

 * * *

إطلاق العنان للتحليلات والتوقعات حول أبعاد تشكيل لكتلة الوزارية المسيحية، ليس في محله، خاصة الكلام الذي توقع أصحابه عملية خلط أوراق سياسية، وتجاوز المشهد الانقسامي بين فريقي 14 و8 آذار.

الرئيسان أمين الجميل وميشال سليمان والوزيران المستقلان، هم أقرب إلى توجهات 14 آذار، بل إن الرئيس الجميّل والوزيرين حرب وفرعون هم في صلب تكوين 14 آذار، وقبلها تجمع البريستول، وقبل الاثنين لقاء «قرنة شهوان».

وبالتالي، فإن الرهان على دور هذا التحالف الجديد، في إضعاف جبهة 14 آذار، هو في محله، بغض النظر عن الضيق أو الإزعاج، الذي قد يكون سبّبه لرئيس القوات اللبنانية، الذي يتصرّف وكأنه الزعيم المسيحي الأول في صفوف 14 آذار!

وثمة من يرى بأن هذا الالتقاء المدروس بين اليرزة وبكفيا، سيعزز نهج الاعتدال في الوسط المسيحي، حيث يسجل للرئيسين سليمان والجميّل اعتدالهما في طروحاتهما السياسية، وانفتاحهما على الآخر في مواقفهم الوطنية، بمواجهة سياسة التطرّف والعناد التي طبعت التيار العوني، وحملات رئيسه المعروفة ضد الحريرية والطائفة السنية ردحاً من الزمن، فضلاً عن مواقف القوات اللبنانية البعيد منها والقريب!

 * * *

قد يكون من المبكر التكهن بحجم ودور هذه الكتلة الوزارية، والتحالف الثلاثي الذي يدعمها، ولكن لا بدّ من التأكيد على أهمية هذه الخطوة، في إعادة التوازن إلى الساحة المسيحية، وتغليب لغة العقل والحكمة في التعاطي مع الشريك في الوطن والمصير!