تجتاح لبنان موجة هائلة من الضجيج والصراخ في كل القضايا والموضوعات وعلى مدى الدقائق والساعات، تغريدات وعنتريات وتحليلات وتوقعات وهزائم وانتصارات واتهامات وتحقيقات وخطوط حمراء، لا احد يعرف ما هو الموضوع في لبنان، وربما أصبحت العواصف يسبقها الضجيج وليس الهدوء، واقتربت نهاية المعارك وأصبح الكل يطلق النار بكل اتجاه على قاعدة لا توقف القتال قبل نهاية المعركة، كي لا تكون الضحية الاخيرة في النزاع.
الجميع أقوى من الدولة اللبنانية الضعيفة، فالمقاومة الفلسطينية أقوى من الدولة، والمقاومة الوطنية أقوى من الدولة، والمقاومة اللبنانية أقوى من الدولة، والمقاومة الاسلامية أقوى من الدولة، والمقاومة المدنية أقوى من الدولة، وكل هؤلاء الأقوياء كانوا ولا يزالون يعيشون على حساب الدولة اللبنانية ويتحكمون بإنتاجيتها، ويسيطرون على سلطاتها التشريعية والتنفيذية والقضائية والأمنية والعسكرية مع نخبة سياسية ترى الحل بأشخاصهم وليس بأفكارهم ورؤيتهم المستقبلية.
سنوات وسنوات واجيال واجيال ونحن من مأساة الى مأساة، فشلنا في العيش معا، وفشلنا في العيش متفرقين، وفي العيش كل على حدة وفي الثنائيات، وفشلنا في حماية حدودنا ومجتمعاتنا، وفشلنا في تحقيق وحدتنا وبناء دولة المؤسسات، وفشلنا في الإنماء والماء والكهرباء والنفايات والنفط والغاز والانتخابات والتعليم العام والمطارات والموانئ والطرقات، وفشلنا في نزاعاتنا وصداقاتنا وعداواتنا، وفشلنا في احترام الذات واستقوينا بالغرباء على الأهل والشركاء، وفشلنا في التمييز بين الخطأ والصواب وارتكبنا المحرمات الانسانية والأخلاقية والمدنية والدينية، حتى صار الفشل هوية وطنية بامتياز.
ان قمة الحرية هي في العيش معا، وان حرية كل جماعة على حدة منعت قيام الدولة الوطنية الضامنة لحرية الجميع، وان قمة الحرية هي في ان نكون أفرادا في دولة المواطنة والحقوق والواجبات والثواب والعقاب والعدالة والمساواة وحرية الرأي والتعبير والاعتقاد، دولة حديثة تشبه كل تلك الدول الناجحة التي عرفت شعوبها حروبا دينية وأهلية وعرقية وقومية وعالمية، الى ان بلغت دولة العقد الاجتماعي التي يحترم فيها الفرد الانسان، وتعلمت من تجاربها واعترفت بأخطائها وجدّدت مجتمعاتها بالطاقات المهاجرة والخلاقة بتنوعها وأحلامها وطموحاتها، بعيدا عن دولة الماضي والعيش كالسجناء مع هويات ضيقة ومنغلقة على الذات.
جميعنا جبناء، الافراد لا يملكون شجاعة الخروج من الطائفية الى المواطنية، والعائلة لا تمتلك شجاعة تحرير الأبناء من عبودية اهل السلطة الطائفيين، والقطاع الخاص لا يمتلك شجاعة بناء اقتصاد وطني خلاق وشفاف، والمهن الحرة والنقابات لا تمتلك شجاعة التمرد على المحسوبية والاستقواء، ورأس المال أبو وأم الجبناء الذي لا يمتلك شجاعة الاستثمار في الانسان، وجميعنا جبناء لأننا لا نمتلك شجاعة الخوف على لبنان.
لا بد من التوقف عند الرسالة الوطنية الاخلاقية الرفيعة التي خصتني بها الكاتبة الفاضلة السيدة سهام قليلات شقير، التي تجمعني بها الكتابة في جريدة «اللواء» الغراء وصداقتنا مع الفاضلة العزيزة السيدة نجوى سلام، وأشكر السيدة سهام شقير على أدبها واهتمامها وأشد وإياها على أيدي صديقتنا العزيزة السيدة نجوى سلام التي لطالما جمعتنا مع عائلتها في سحوراتها الرمضانية الدافئة والراقية، وأن نعزيها بفقدان شقيقها عميد «اللواء» الاستاذ عبد الغني سلام، اما بالنسبة لكوني «انا مواطن لبناني سابق» ولكنني «اشعر بحنين شديد الى وطني»، الى لبنان الإنفتاح والنّجاح والإنجاز والاستقرار قبل الاغتيال وليس لبنان الذي نعيشه منذ سنوات، وتحية الى الفاضلتين سهام شقير ونجوى سلام، مع كل شجاعة الخوف على لبنان.