في نهاية كل عام وبداية الجديد، ينشط موسم العرافين والبصارين وقارئي البخت والأبراج، بما في ذلك من يقرأ اتجاهات الاقتصاد والسياسة والمجتمعات، مع الفرق بين هؤلاء وهؤلاء. فطر الإنسان على الفضول والخوف من المجهول ورجاء المال والصحة بين الأمل والمأمول.
عامنا 2014 ذبلت شمعته، وبقي منه توهج الفتيل الأخير، بانتظار اقتحام شقيقه الصغير 2015 غرفة الدنيا، وفناء الحياة.
أشهر عراف في التاريخ ومتنبئ هو الصيدلاني الفرنسي نوستراداموس الذي توفي 1566م وما زال الناس يلهجون بتوقعاته وأجندته للزمان، وكان مثيرا للفضول والتسلية وربما القلق، كعادة كل مصغ لقارئة الفنجان، الاطلاع على ما قيل إن العراف الفرنسي توقعه لعامنا الجديد هذا 2015.
حسب «روسيا اليوم» فقد توصل فريق من الباحثين للكشف عن ماهية عام 2015 بناء على تنبؤات نوستراداموس. ووفقا لتسجيلات المنجم ستكون السنة المقبلة مليئة بأحداث مرعبة ونزاعات عسكرية واختراعات ستغير حياة البشر بصورة جذرية. فقد تنبأ نوستراداموس بوقوع محاولات اغتيال 4 من زعماء الدول الرائدة في عام 2015. وثوران بركان فيزوف في إيطاليا وحدوث زلزال شديد في أميركا. وأزمات اقتصادية خطرة في ألمانيا وفرنسا.
أما كوكبنا كله فسيتعرض، حسب الصيدلاني العراف، لإشعاع قوي يؤدي لوفاة الإنسان وهو في عمر صغير. وتنبأ نوستراداموس بأن العلماء في عام 2015 سيتوصلون إلى اختراع «إكسير الشباب» مما سيطول عمر الإنسان إلى ما لا يقل عن 200 سنة، بينما سيجري تحديد الولادات بصرامة في بعض الدول. تنبؤات نوستراداموس لم تتوقف عند هذا الحد، فحسب مصادر أخرى، فإن الرجل لديه لمسة رقمية لهذا العام، حيث تنبأ بولادة لغة واحدة للبشر، في هذا العام، والقدرة على التحادث مع الحيوانات.
من يرى ما تفعله داعش وطالبان والقاعدة وبوكو حرام والحرس الثوري الإيراني والحوثي وكتائب البطاط وفيلق بدر، ومن يرى تفشي الأمراض الفتاكة تباعا، وانفجار عدد البشر، ونوعية الهواجس والنقاشات السائدة في مجتمعاتنا – (مثلا: المذيعة تلبس عباءة بأي لون؟ كما أبدعت سيدة من عضوات مجلس الشورى السعودي) – من يرى ويسمع هذا كله، فإنه يلمس مرضا يعم الكون والناس، وعثة تأكل نسيج العقول ومادة الروح.
أشهر من تحدث من مؤرخي الإسلام عن قيام وسقوط المجتمعات والدول هو ابن خلدون المتوفى 1406. قيل إنه شعر بانطفاء نور المسلمين، وانصراف القوة عنهم لغيرهم، وهو ليس كصاحبنا الفرنسي يعتمد الخرافة، بل الحكمة، فكانت عبارة ابن خلدون المهيبة في مقدمته وهي: «كأن لسان الكون نادى بالخمول فاستجاب والله وارث الأرض ومن عليها».
بعيدا عن غرائب نوستراداموس، فإن هذا العام سيمر كما سالفه، يحمل تحديات السابق، ويضيف عليها مستجدات اللاحق، كما سيحمل البشائر والخسائر. دأب الدنيا نفسها.
ما لا ريب فيه هو أننا نحتاج لحدث ساطع قاطع ينفض العقول التكرارية المكابرة، ويضعها وجها لوجه أمام حقيقتها. ربما هذا العام، أو القرن المقبل.