Site icon IMLebanon

بدعم قطر… لهذا بدأت إيران بالتقرب من «طالبان» الأفغانية!

حسب «نيويورك تايمز» الأميركية فإن إيران بدأت تسعى في الفترة الأخيرة، عشية انفجار الأزمة القطرية، إلى التمدد في اتجاه أفغانستان وصولاً إلى جمهوريات آسيا الوسطى الإسلامية ومنطقة بحر قزوين بالاعتماد على حركة «طالبان» التي كانت توصف بأنها الأشد عداوة لدولة الولي الفقيه وذلك مع أن طهران بقيت تحتضن «القاعدة» وبقيت توفر المأوى الآمن للكثير من قادتها وأيضاً للذين بدأوا بتشكيل هذا التنظيم الإرهابي المتطرف الذي أصبح اسمه «داعش».

ووفقاً لـهذه الصحيفة، فإن إيران، التي كانت انتهجت سياسة التمدد في الاتجاهات كافة منذ عام 2003، بدأت، استعداداً لما بعد انسحاب القوات الأميركية من أفغانستان ولحماية مصالحها في هذه الدولة المجاورة التي تتقاسم معها حدوداً طويلة، بمد خيوط علاقات جديدة مع حركة طالبان وتزويدها بالأسلحة وبالأموال وبالملاذات الآمنة.

والسؤال هنا هو: هل من الممكن يا ترى أن ينقلب العدو إلى صديق والغريم إلى حليف وأن ينسى الإيرانيون مشاكلهم الكثيرة مع هذه الحركة السنية على المذهب الحنفي المتشدد واستهدافها السابق واللاحق لأقلية «الهزارة» الشيعية الأفغانية الموالية للولي الفقيه ونظامه في طهران، وأن يبادروا فعلاً إلى التحالف المسبق معها استعداداً لما بعد مغادرة الأميركيين للأراضي الإيرانية واحتمال انهيار هذه «التوليفة» السياسية التي تحكم هذا البلد بيد مرتعشة وحيث إنه لا تزال هناك مناطق كثيرة خارج سيطرة السلطة الرسمية في كابل التي يتوقع كثيرون انهيارها وعلى غرار ما كان حصل مع بابراك كارمال وجماعته بعد الانسحاب الكيفي للقوات السوفياتية من الأراضي الأفغانية.

إن هناك معلومات متداولة، وهذا حسب الـ«نيويورك تايمز»، أن الإيرانيين، من أجل التسريع في انهيار هذه المجموعة الحاكمة في كابل، قد لجأوا بمساعدة روسيا الاتحادية وبحجة مواجهة تنظيم داعش، إلى زعزعة الاستقرار، المزعزع أصلاً، في أفغانستان وبخاصة في بعض مناطق الحدود الإيرانية – الأفغانية وعلى غرار ما حدث في إقليم هراة في الآونة الأخيرة ويبدو على هذا الصعيد أنَّ موسكو وطهران قد وجدتا في هذه الأوضاع الأفغانية المتأرجحة قضية مشتركة تستدعي شراكة جديدة كشراكتهما في سوريا وحقيقة أن هذا غير مستبعد على الإطلاق ما دام أنَّ التحالف الروسي – الإيراني يبدو أنه غدا بمثابة ضرورة ملحة وأكثر من أي وقت سابق في ضوء هذا الضغط الأميركي المتصاعد في عهد هذه الإدارة (الجديدة) ضد الطرفين.

كانت «طالبان» هذه التي يدل اسمها على أنها بدأت كحركة طلابية في بدايات عقد تسعينات القرن الماضي في قرية هندية اسمها «ديوبند» ولذلك فقد أُطلق عليها اسم «الحركة الديوبندية»، قد استخدمها الأميركيون في تلك الفترة المبكرة ضد تمدد إيران في اتجاه جمهوريات آسيا الوسطى ومنطقة بحر قزوين، التي تعتبر مستودعاً لثاني احتياطي نفطي في العالم، الذي يشبه تمددها الحالي في العراق وسوريا واليمن ولبنان وأيضاً في قطر وهنا يبدو أن باكستان بدورها قد وفرت لهذه الحركة دعماً سخياً البعض يقول إنه لا يزال مستمراً حتى الآن ولم يقتصر على فترة البدايات في نحو منتصف تسعينات القرن الماضي.

ثم وإن هناك، ليس مجرد تخمينات وأقوال عابرة، وإنما معلومات مؤكدة بأن هذه الحركة، التي شكلها الملا محمد عمر والتي كان وصولها إلى السلطة في كابل كاسحاً ومدمراً، كانت إنتاج ظاهرة مدارس «الكتاتيب الجهادية» التي يقال إن عددها قد وصل إلى خمسين ألفاً وإن المخابرات الباكستانية والمخابرات الأميركية قد أرادتها، أي أرادت هذه الكتاتيب، للتعبئة المبكرة ضد الاتحاد السوفياتي ومن أجل إيصال «الفكرة الجهادية» إلى الدول والكيانات الإسلامية (السوفياتية) ودفعها للثورة على «الشيوعية»… وهذا هو ما حصل في أفغانستان عندما أزاحت «طالبان» تحالف رباني – شاه مسعود من أمامها بعد القضاء على نجيب الله الذي كان احتمى بمكاتب الأمم المتحدة إلى أن أخرجته هذه الحركة من ملاذه المؤقت وأعدمته بطريقة لا مثيل لها في القسوة والبشاعة.

والمؤكد أن «أمير» جمعية علماء الإسلام في باكستان المولوي فضل الرحمن كان له دور رئيسي في إنشاء مدارس «الكتاتيب الجهادية» هذه الآنفة الذكر وأنه هو من كان وراء إنشاء الملا محمد عمر لهذه الحركة «حركة طالبان» منطلقاً من قندهار وأنه تم أخذ رأي برهان الدين رباني وعبد رب الرسول سياف بهذه الخطوة وأن ردهما كان بالتأييد على أساس أنهما كانا ضد غلب الدين حكمتيار الذي كان مناوئاً وربما حتى الآن لهذه الحركة التي أصبح الإيرانيون يراهنون عليها للتمدد في اتجاه أفغانستان وصولاً إلى آسيا الوسطى ومنطقة بحر قزوين التي تضم ثاني احتياطي نفطي في العالم بأسره.

لكن ورغم أهمية كل هذا الذي أوردته «نيويورك تايمز»، حول نوايا إيران التمددية إلى أفغانستان وإلى ما بعدها، سلمياً في البداية وربما بالقوة العسكرية وبالأمر الواقع لاحقاً وحسب الظروف والتطورات اللاحقة المتوقعة وغير المتوقعة، فإن ما تجب الإشارة إليه، لا بل تأكيده، هو أن روسيا وإيران وقطر أيضاً وللأسف هي دول مأزومة ليس لاحقاً وإنما وسابقاً ومنذ فترة بعيدة ولذلك فإنها قد دأبت على السعي لتصدير أزماتها للخارج لإشغال شعوبها بالأمور والقضايا الخارجية ولهدفٍ لم يعد خافياً إلا على «متورط» أو أعمى بصر وبصيرة، وهو إبعاد أنظار هذه الشعوب عن مشاكلها وعما تعانيه بالنسبة لقضاياها الداخلية التي هي في حقيقة الأمر قد وصلت في السنوات الأخيرة إلى ذروة الانفجار وذلك مع أن هذه الأنظمة المعنية كانت قد لجأت إلى افتعال الكثير من الإشكالات والمشاكل مع الكثير من الدول القريبة والبعيدة.

والمعروف هنا، إلا لمناكف لا يريد أنْ يعترف بأن الغزو الروسي لسوريا قد اتخذ في سنوات ما بعد عام 2011 طابع الاحتلال العسكري الشامل، أن فلاديمير بوتين ومجموعته الحاكمة قد لجأوا إلى هذا الغزو كهروب من الأزمات الداخلية التي كانت ولا تزال تعصف بروسيا الاتحادية، وبالطبع فإن هذا ينطبق على التدخل الإيراني السافر في العراق وفي «القطر العربي السوري» وفي اليمن ولبنان كما ينطبق على حشر الشقيقة قطر أنفها في الكثير من الأمور التي من المفترض أنها لا تعنيها ولا تعني شعبها واحتضان كل هذه التنظيمات الإرهابية العربية والإقليمية والدولية أيضاً ومن بينها حركة «طالبان» الأفغانية التي أصبح وجودها في «الدوحة» علنياً ولا يمكن إنكاره لا بل إن الحكومة القطرية لا تريد إنكاره.

ولهذا فإن الإيرانيين قد بدأوا «يغزلون ناعماً» مع باكستان التي غدت حدودها مصدر إزعاج لهم بعدما قام «البلوش» بالكثير من العمليات العسكرية الموجعة داخل الأراضي الإيرانية كما بدأوا «يتقربون» من عدوهم التاريخي الذي هو «حركة طالبان» الأفغانية، والمؤكد أن قطر «المأزومة» تلعب دوراً رئيسياً في هذا المجال خدمة لحليفها الجديد – القديم الذي هو دولة الولي الفقيه الإيرانية التي قالت «نيويورك تايمز» إنها تقوم الآن بمناورة جريئة لتشكيل أفغانستان جديدة لصالحها، وذلك في وقت تسعى فيه الولايات المتحدة لإنهاء أطول حرب في تاريخها كلفتها نصف تريليون دولار وأكثر من 150 ألف قتيل من جميع الأطراف المعنية، وهنا تجب الإشارة إلى أن دونالد ترمب قد أبدى أسفه لأن أميركا باتت تخسر حربها هذه المتواصلة منذ ستة عشر عاماً وأكثر.

وهكذا وفي النهاية فإن السؤال هنا هو: هل من الممكن يا ترى أن تتورط باكستان في هذه اللعبة المكلفة حقاً وتتخلى عن حركة «طالبان» التي كانت وُلدت في الحاضنة الباكستانية، ثم وهل يقبل الروس يا ترى بتمدد حليفهم الإيراني المؤقت والوصول إلى جمهوريات آسيا الوسطى ومنطقة بحر قزوين هذه المنطقة التي تضم ثاني أكبر احتياطي نفطي في العالم…؟ وكل هذا ومع الإشارة إلى أن إيران التي كادت تدخل حرباً مع هذه الحركة الأفغانية في عام 1998 قد بدأت تدعمها الآن وبهدف المزيد من استنزاف الأميركيين الذين بدأوا يعدون أنفسهم جدياً لمغادرة أفغانستان.