IMLebanon

مع الحراك الشبابي.. بلا طفيليات حزبية!

في ذروة العجز السياسي عن معالجة أزمة النفايات، خرج الحراك الشبابي المدني إلى الساحات، ليُعلن، مرّة أخرى، أن إرادة الحياة والتطوّر عند اللبنانيين أقوى من تواطؤ الطبقة السياسية الفاسدة، على مصالح البلاد والعباد.

استطاعت حملات الشباب للتظاهر، ورفع أصوات الرفض والاحتجاج عالياً، أن تغيّر معالم المشهد السياسي، بعدما وضعت كل الأطراف السياسية، من دون تفضيل أو تمييز، أمام مسؤولياتها، والخروج من دوّامة الخلافات البيزنطية، والصراعات المصلحية، والتطلع قليلاً إلى المآسي التي تعيشها الأغلبية الساحقة من اللبنانيين، بسبب قصور الطبقة السياسية في إدارة شؤون البلد، وانصرافها إلى لعبة المغانم والصفقات، تهافتاً على آخر قرش في خزينة الدولة!

أهمية الحراك الشبابي أنه تعلم بسرعة من أخطاء التظاهرات الأولى وشعاراتها المفرطة في التنظير والعشوائية، فضلاً عن الغلط الحاصل في اختيار موقع التظاهر في ساحة رياض الصلح، وعلى تماس مباشر مع القوى الأمنية المكلفة تأمين السراي الكبير.

سرعة دوزنة الشعارات، وجعلها أكثر واقعية، وأكثر انسجاماً مع الأفكار الإنقاذية المطروحة، فضلاً عن الانتقال إلى ساحة الشهداء، وقطع الطريق على عناصر الشغب والمندسين، لافتعال الإشكالات المعروفة مع قوى الأمن، كل ذلك أدّى إلى تصحيح مسار الحراك الشبابي، وجعله أكثر تركيزاً على القضايا الملحة، وعلى التصدّي لملفات الفساد التي ضربت صدقية الطبقة السياسية الحالية، وأفقدتها ثقة الناس بأطرافها!

* * *

الحراك الشبابي، وتعاطف اللبنانيين العفوي معه، ساهم، وإلى حدّ بعيد، في تسريع خطى السياسيين للتوافق على معالجة أزمة النفايات، سواء اعترف أهل السياسة، والحل والربط بذلك، أم أصرّوا على المكابرة، وتجاهل قوة الضغط المؤثرة التي شكلتها التظاهرات المدنية على القوى السياسية.

التزام الشباب بسلمية التحرّك والتظاهر، وما يرافقه من حسن التنظيم والضبط ، شجع المواطنين، لا سيما المترددين، على التجاوب مع الصرخة الشبابية، والنزول إلى الشارع لرفع قبضات الإدانة والاعتراض على الفساد السياسي.

غير أن اتساع دائرة التحرّك، ووصولها إلى مختلف المحافظات، في حركة وطنية نادرة، عابرة للمناطق والطوائف، يُحمّل أطراف هذا الحراك مسؤوليات مضاعفة في ظروف بالغة الصعوبة والتعقيد، يتوقف على طريقة التعامل معها، مصير هذه الانتفاضة الشعبية الغاصبة من جهة، ومستقبل مطالب الإصلاح والتخلص من الفساد، من جهة ثانية.

النجاح في إيصال أزمة النفايات إلى سكة الحل عبر الخطة الانتقالية التي أقرتها الحكومة، يجب ألا يكون مدعاة للمبالغة في رفع سقوف المعالجة والمطالب الأخرى، والوصول بالأمور إلى حائط مسدود، بل على العكس، لعل من الأنسب القبول بالخطط المرحلية، وعلى طريقة «خطوة.. خطوة»، على أن تستمر المتابعة والرقابة بتصميم حديدي، لا مسايرة فيه لأحد.

والاكتفاء برفض ما هو مطروح، لا يوصل إلى الحلول المنشودة، إذا لم يكن الرفض مشفوعاً بتبريرات مقنعة، ومدعوماً باقتراحات أو مشاريع خطط بديلة، تصلح للنقاش في معرض البحث اللازم عن الحلول المناسبة.

من هنا، أهمية أن يتصدّى قادة الحراك الشبابي لمحاولات التشويش والاستغلال الصادرة من أطراف سياسية، وأخرى هامشية، هدفها المصلحة النفعية، حتى يستطيع هذا الحراك أن يحافظ على نقائه الوطني، ويحقق بعض الآمال التي يعلقها اللبنانيون على نتائجه!

* * *

ثمة نقطة أخرى، لا بدّ أن تؤخذ بعين الاعتبار.

إعطاء الأولوية في أهداف الحراك للقضايا المعيشية والاجتماعية الملحة، مثل النفايات والكهرباء والمياه، لا يمنع من الانتقال في مرحلة وشيكة إلى التصدّي للاستحقاقات الدستورية الوطنية الداهمة، وفي مقدمتها الانتخابات الرئاسية، واعتماد قانون انتخابات يلبي طموح الشباب بالنسبية وتخفيض سن الاقتراع، وصولاً إلى اجراء الانتخابات النيابية المؤجلة في أسرع وقت ممكن.

لن يتعب اللبنانيون من الانضمام إلى الساحات والتظاهر لتحقيق التغيير المنشود في البنية السياسية الحالية، المهترئة والمفلسة، طالما كان برنامج التحرّك وشعاراته واقعية، منطقية، إصلاحية، ولا تعرض النظام والجمهورية لاهتزازات غير مأمونة العواقب، بسبب تهور من هنا، أو تسرّع من هناك، الأمر الذي قد يؤدي إلى الوقوع في قفزة بالمجهول.

وبكلام آخر،

إن استمرار هذا التحرّك، بشكل مدروس، وبوتيرة ناضجة ومنظمة، من شأنه أن يتحوّل إلى كرة ثلج شعبية، تتدحرج على العديد من الرموز السياسية، وتدفع نحو التخلص من واقع الفساد والعجز الحالي، في ظل هذا التعطيل المتمادي للمؤسسات الدستورية: من الشغور في رئاسة الجمهورية، إلى تعليق جلسات مجلس النواب، وأخيراً إلى هذا الشلل المتعمد والخطير في مجلس الوزراء.

إذاً، استمرار هذا الحراك أمر مطلوب ومُرحّب به، طالما بقي تحت السيطرة الأمنية، وتحت سقف النظام والميثاق الوطني، واستطاع أن يحصّن ساحاته من بعض الفلول السياسية الهامشية، والتي وجدت في الغضب الشعبي ضالتها، لتنفض عنها غبار النسيان، والعودة بشعارات تنتهك الأملاك العامة والخاصة، معتمدة لغة الحقد والشتائم أسلوباً لإثبات وجودها!

هل يقوى الحراك الشبابي على وضع حدّ لهذه الطفيليات الحزبية والسياسية، قبل أن تفلح في تشويه صورة وأهداف واحدة من أهم حركات الاحتجاج والإصلاح في عهود الاستقلال؟