اقتصاد 2016 قاتم وبخطر ينتظر التفاهمات لانقاذه. تفاهمات توفر له الامن السياسي عبر انتخاب رئيس للجمهورية وتشكيل حكومة منسجمة ومنتجة، والامن الاقتصادي عبر تحفيز النمو الضعيف ومساعدة المؤسسات الاقتصادية المهددة بالإقفال، والامن الاجتماعي عبر تأمين شبكة أمان اجتماعية واقرار سلسلة الرتب والرواتب وقانون الشيخوخة ومعالجة المشكلات الحياتية اليومية من كهرباء ومياه ونفايات…
في المقابل، دفع اقتصاد 2015 ثمن الازمة الدستورية وغياب التفاهمات، فتراجعت غالبية مؤشراته الاقتصادية اذ سجل نموا يقارب الصفر وجمودا في القطاع العقاري وتقلصا في نشاط القطاعين التجاري والسياحي وتراجعا في تدفق الرساميل الوافدة وفي الحركة الاستثمارية، وانخفاضا في الصادرات وارتفاعا في عجز ميزان المدفوعات وتصاعدا في عجز المالية العامة وفي حجم الدين العام.
يواجه اقتصاد 2016 تحديات عدة، أبرزهـــــا:
١ ـ تحفيز النمو: تخلق التفاهمات مناخا ايجابيا، يحسّن النظرة المستقبلية للاقتصاد اللبناني لدى المؤسسات المالية ومؤسسات التصنيف الدولية، مناخا يجذب المستثمرين والسياح لا سيما من الدول الخليجية، مناخا يشجع على الاستهلاك ويسهّل الصادرات الى دول المنطقة، ويحرك القطاع العقاري ويخفِّف من مشكلات المؤسسات الاقتصادية.
تؤدي التفاهمات الى خروج الاقتصاد من الركود الى الانتعاش في ظل تقديرات بان يسجل العام 2016 نموا مقبولا يفوق 2.6 % مدعوما باجراءات تحفيزية لمصرف لبنان على شكل قروض ميسّرة مقدرة بحوالي 1.6 مليار دولار.
أما في حال تعثر التفاهمات، فان اقتصاد 2016 سيكون امتدادا لاقتصاد 2015، اي سيئ وقاتم حيث يقدر ان ينكمش وان تتفاقم مشكلات غالبية القطاعات والمؤسسات الاقتصادية باستثناء القطاع المصرفي الذي سيبقى محافظا على نمو مقبول يراوح بين 5 و6 % مع تراجع في نشاطه، اضافة الى الاستمرار في استقرار سعر صرف الليرة.
٢ ـ إقرار الموازنة العامة: تساعد التفاهمات في اقرار الموازنة العامة وتحقيق الانتظام المالي وضبط الفوضى والهدر وعودة الرقابة. تعتبر الموازنة العامة رؤية اقتصادية واجتماعية للحكومة، تتيح لها تحقيق اهدافها عبر سياستها الانفاقية والضريبية والانمائية والاصلاحية فضلا عن ان اقرارها يوجب على الحكومة تقديم مشروع قطع الحساب للعام 2014.
يخشى في حال تعثر التفاهمات وعدم اقرار الموازنة العامة ان تبقى الفوضى في الإنفاق وان تغيب الاصلاحات وان يبقى العجز تصاعديا يفوق 9.5 % للناتج المحلي نتيجة زيادة نفقات الرواتب والاجور والتقديمات الاجتماعية (الصحة، التربية، الشؤون الاجتماعية) والبنية التحتية وخدمة الدين العام تحت مبررات أمنية واجتماعية.
تجدر الاشارة في هذا الاطار الى ان موازنة 2016 لن تستفيد كموازنة 2015 من وفر في هبوط اسعار النفط عالميا حيث تقلص عجز مؤسسة كهرباء لبنان حوالي 800 مليون دولار ونسبته حوالي 37 % ليصل الى 1.2 مليار دولار، اذ سيبقى سعر برميل النفط في العام المقبل منخفضا وفي مستوياته الحالية.
يتضمن ارتفاع العجز في المالية العامة في العام 2016 انعكاسات سلبية اذ يؤدي الى خفض اضافي للتصنيف الائتماني للدولة اللبنانية ما يؤثر في القطاع المصرفي اللبناني، المموّل الرئيسي للديون السيادية، متسببا في نهاية المطاف في ارتفاع معدلات الفوائد خصوصا في ظل تعديل المصرف المركزي الاميركي سياسته النقدية وقراره رفع معدلات الفوائد في اجتماعه القادم.
أما الدين العام، فان منحاه في العام 2016 سيكون ايضا تصاعديــا ليتجــاوز 74.5 مليــار دولار مشكــلا 147 % من الناتج المحلي.
لا بد من الاشارة الى ان الدولة تواجه في العام 2016 استحقاقات مالية تقارب 15 مليار دولار يقتضي تغطيتها بتمويل داخلي موزع بين استحقاقات بالعملات الاجنبية بقيمة 2.6 مليار دولار، وبالليرة اللبنانية بقيمة 8.7 مليار دولار وبعجز بالمالية العامة بقيمة 3.5 مليار دولار.
٣ ـ اقرار مرسومي النفط والغاز: تساعد التفاهمات على اقرار المرسومين والحدّ من مخاطر التأخير الذي يؤثر في مصداقية لبنان لدى الدول المنتجة للنفط والى خسارته الاسواق المستقبلية لمنتجاته النفطية واستيلاء اسرائيل على قسم من ثروته في المناطق المتنازع عليها.
كذلك تساعد التفاهمات في الاسراع بترسيم الحدود البحرية مع قبرص واسرائيل، في حل الخلافات حول البلوكات التي يجب تلزيمها في المرحلة الاولى، في معالجة الثغرات والانحرافات في الاتفاقيات مع الشركات الاجنبية، في التوافق على انشاء شركة البترول الوطنية، وفي الاسراع في اعادة النظر في القانون الضريبي للانشطة البترولية.
٤ ـ احتواء أزمة النازحين السوريين: تستطيع التفاهمات احتواء أزمة النازحين السياسية والامنية والديموغرافية اذ قد تحظى على ثقة المجتمع الدولي وخصوصا دول المنطقة وعلى ثقة المؤسسات المالية الدولية.
تقدّر كلفة النازحين السوريين سنويا بحوالي 4.5 مليارات دولار منهـــا مليـــار دولار كلفـــة مباشـــِرة و 3.5 مليار دولار كلفة غير مباشرة؛ وتمكن لبنان من الحصول في العام 2015 على 900 مليون دولار من المساعدات من 2.2 مليار دولار كان قد طلبها. يعود ضعف المساعدات الدولية الى لبنان الى الانقسامات السياسية داخل الحكومة حول ملف النازحين اضافة الى الهدر والفساد وعدم الشفافية في استخدام المساعدات بين المنظمات الدولية والجهات اللبنانية.
تعـّزز التفاهمات العلاقات بين لبنان والدول المانحة، وتسهّل حصوله على المساعدات الدولية كما تساعده على ضبط تدفق النازحين السوريين عبر اغلاق الحدود غير الشرعية مع سوريا، وعلى انشاء مخيمات للنازحين السوريين في الاراضي السورية تحت رعاية الامم المتحدة وذلك بالتنسيق بين الدولة اللبنانية والدولة السورية.
باختصار، اقتصاد 2016 قاتم وبخطر ينتظر التفاهمات لنهوضه واطلاق قطاعاته واستعادة مستثمريه وسائحيه وتعزيز قطاعه المالي. انه ينتظر ادراك القوى السياسية حجم المخاطر الداهمة.
(&) خبير اقتصادي ومالي