Site icon IMLebanon

بمَ يُملّح؟

حين ينبري الوزراء للحديث عن الفساد، يخطر للمواطنين انهم هم في موقع المسؤولية، وأن الوزراء هم الشعب.

لا تتناقض هذه الخاطرة مع التنويه بمبادرة وزراء الى القيام بما قصرت عنه الطبقة السياسية منذ “اتفاق الطائف”، فليس البلد في أحسن حال، في مجال الضبط والانضباط، وترك الأمور على غاربها لم يولد اليوم، ومبدأ “نفسي، نفسي”، “ومن بعدي الطوفان” يتحكمان في الحياة العامة من رأس الهرم حتى القاعدة.

ومن فساد الغذاء، الى فساد الدواء، وكل فساد في كل مجال، ما يقول إن القانون بلا رهبة، ولا إحترام، ويحتاج الى اعلان سطوته، وما ذلك إلا من سمات الدولة المفككة، والبلا هيبة. المفارقة أننا ألقينا القبض على الفساد، وإشتكينا الفاسدين الى القضاء، لكننا لم نكشف المفسدين، الذين نسميهم بـ “الغطاء السياسي”.

دعك من سلامة الغذاء، التي أثبت غيابها أن صحة اللبنانيين “زي الحديد”، بدليل أن كل التآمر على صحتهم، عبر المنتجات واللحوم والمعلبات، لم يؤثر فيهم، ولم تقع “مجازر” صحية، تقول بعكس ذلك.

عملياً، لم تحرك الفضائح الغذائية سوى دهشة الرأي العام، بما لا يخرج عن سياق اللامبالاة العامة إزاء كل ما يجري. يكفي التذكير بأهالي العسكريين المخطوفين الذين ندر المتضامنون معهم، ومثلهم في ذلك رافضو التمديد للنواب الذين تداعوا الى اللقاء في محيط مجلس نبيه بري، فلم يتعدّ عددهم، في الموعد المضروب، عدد أصابع اليد.

يُهنّأ الوزير وائل أبو فاعور على ما بادر إليه، وهو فتح شهية اللبنانيين الحالمين بالدولة على حملة “اياد بيضاء” كما في ايطاليا في الثمانينات، تطارد الفاسدين في كل مجال، ولا سيما من الطبقة السياسية التي تلوك الألسن كلاماً كثيراً عن ثرواتها التي يعرفها الجميع ويعرفون مصادرها، بالاستنتاج، ويلمسون نعمها على مستحوذيها، لكن أسئلتهم عن حقيقة منابعها لا تجد أجوبتها المستحقة، لأن جدار الطائفية العازل يقدم الحماية الأقوى ويحوّل الأسئلة المنطقية الى اعتداء على مذهب أو طائفة.

ليس الفساد السياسي في جني المال بلا جهد، من بنية الدولة أحياناً، ومما جناه مجِدّون أحياناً أخرى، بل الفساد أيضاً، وأساساً، في استخدام النفوذ لتطويع القانون، وليّ منطوقه بما يناسب الفاسدين. فكم عطلت نتائج مسابقات مجلس الخدمة المدنية، أو حملات تطويع في أسلاك عدة، أو تشكيلات قضائية، وكم نفذت تعيينات للاّكفاءات، وكم شيّدت مرافئ خاصة، وقصور بحرية.

الأسف، في كل الحالات، هو على غياب الرأي العام، وما يسمى هيئات المجتمع المدني، التي تعطلها، عند المفاصل الفعلية، حسابات المذاهب والطوائف، والعشائرية والمناطقية.

ربما اللبنانيون على حق في تغاضيهم، لأن سقف القانون ليس عالياً ولأن تأليه القيادات لا يستوي وتطبيقه.

فإذا فسد الملح، بم يملّح؟