مرّ الأمين العام لـ«حزب الله» خلال لقاء طالبي عبر الشاشة أمس، على ما يجري في سوريا وتحديداً في الشق المُتعلّق بحلب، مرور الكرام مُبيّناً وجهة نظره ومسوّقاً لـ«انتصار» أهداه إلى «الشعب السوري والقيادة السورية والجيش الذين أخذوا القرار في هذه المواجهة». بحيث بدا وكأنه يُحاول نزع التهم عن حزبه، لجهة المجازر الوحشية والارتكابات الفظيعة التي مورست بحق أهالي حلب من قتل وتنكيل وعمليات اغتصاب وأسر بالإضافة إلى عملية التهجير القسرية لسكّان المدينة وبالتالي إعلانها مدينة «مُحرّرة».
يبدو أن «حزب الله» قد تعوّد على تحويل خسائره إلى «انتصارات» وهميّة يعوّل عليها في عملية شد عصب جمهوره وذلك عند استدعاء الحاجة. فبالأمس مارس نصرالله هذه «اللعبة» الإعلامية وهو المشهود له مدى براعته بها، ليعوّض من خلالها عن الخسائر البشرية التي مُني بها حزبه في حلب منذ منتصف العام الجاري، وذلك عندما توجه إلى جمهوره بالقول «إن معركة حلب هي إحدى الهزائم الكبرى للمشروع الآخر وانتصار كبير للجبهة المدافعة والمواجهة للإرهاب، وهي تطور كبير لجبهتنا على المستوى العسكري والسياسي والمعنوي». في وقت يُدرك فيه جمهور الحزب، حجم الخسائر البشرية التي تكبدتها بيئة «حزب الله» وهذا ما يظهر بشكل مُنتظم من خلال عمليات التشييع التي بدأت مع إعلان «الانتصار» في حلب.
أراد نصرالله أن يرفع صفة التهجير والتغيير «الديموغرافي» عن الحلف الذي ينتمي اليه وهو إتهام يطال حزبه والميليشيات التابعة للحرس الثوري الإيراني والتي تُقاتل تحت إشرافه في سوريا منذ احتلال بلدة «القصير» في ريف حمص ونزوح سكّانها عنها منذ العام 2013 من دون عودة أي منهم لغاية اليوم. يشير نصرالله إلى أنه «لا أحد في سوريا ولا حلفاء سوريا يريدون حصول تغيير ديموغرافي، ولكن الذي يعمل على ذلك هي الجماعات المسلحة». يستوجب شرح نصرالله وتبريره، إنعاش ذاكرة قادة الحزب بالعودة إلى تهجير أهالي «القلمون» و«الزبداني» و«مضايا» التي أُجبر سُكّانها على بيع ممتلكاتهم وكل ما يملكونه من عقارات بأبخس الأثمان لتجّار عقارات في «حزب الله» وإيرانيين، لقاء الغذاء والدواء ومقابل خروجهم أحياء من البلدة بعدما سوّيت بالأرض.
أمّا في ما خص القتلى والجثث والأشلاء وحجم الدمار الذي أظهرته شاشات التلفزة في حلب قبل وبعد دخول النظام السوري وحلفائه اليها، يقول نصرالله: «إن البعض جاء بصور حصلت في مجازر العدو الصهيوني في الضاحية الجنوبية وغزة وقال إنها في حلب. وللأسف لقد أتوا بصور لأطفال جياع في اليمن وقالوا إنها في حلب». هو تسخيف للموت ولأجساد الأطفال الطرية التي توزّعت على طرقات حلب وأرصفتها، وتسخيف لأنين كان يُسمع من تحت الأنقاض من دون أن يلقى أي استغاثة ولمشهد امرأة دفنت أطفالها الثلاثة دفعة واحدة، فيما لم تتمكّن من العثور على جثّة الرابع التي ظلّت تحت الأنقاض.
أمّا في حديثه عن الجهات أو الدول التي تدعم المُسلحين بالمال والسلاح وخصوصاً السعودية وتركيا بحسب قوله، تناسى نصرالله حجم وأعداد الميليشيات التي تدعم النظام السوري والتي تمتد من أفغانستان إلى اليمن وإيران والعراق بالإضافة إلى حزبه وعددها يفوق الخمسين فصيلاً. وفي تكراره لجهة تدخل «حزب الله» في الحرب السورية بأنه جاء لإبعاد يد «التكفيريين» عن الحدود اللبنانية – السورية وليتطوّر لاحقاً إلى الدفاع عن محور المقاومة وأيضاً بأن الحزب دخل في هذه الحرب بقناعة شخصية، خرج كلام على لسان وزير الدفاع الروسي سيرغي شويغو أمس، يقول فيه «إن تحرير حلب جاء بأمر من بوتين وبالتنسيق مع تركيا وإيران». وهذا يدحض تماماً الشعارات التي تقول باستقلالية «حزب الله» وعدم التزامه بأي قرار خارج عن قيادته.
في ختام حديثه عن «انتصار» حلب يدعو نصرالله إلى عدم اعتبار هذا «الانتصار» وكأنه «نهاية الحرب»، إذ برأيه «هناك خطوات ميدانية يجب تثبيتها وحمايتها أمام أي هجمات ستحصل». والكلام هذا، يترافق مع معلومات بدأت تخرج من داخل بيئة الحزب، تتحدث عن فتح جبهة حرب جديدة في «إدلب» وأن الحزب سيكون كالعادة احد أهم الحاضرين فيها. هذه الكارثة التي يبدو أنها ستقع مُجدّداً على بيئة الحزب، عبّرت عنها والدة أحد جرحى الحزب من داخل مستشفى يخضع فيه ولدها لعلاج بعد تعرضه لإصابة بليغة في حلب وذلك لحظة سماعها هذا الخبر من أصدقاء ولدها جاؤوا يطمئنون إلى حالته.
يؤكد العاملون في المستشفى أن والدة العنصر الجريح بدأت وبشكل مُفاجئ، تصرخ بأعلى صوتها وهي تُردد جملة «يا الله بيكفينا شهدا وبيكفينا قهر».