هي مفارقة أن يتزامن الاحتفال بالذكرى الخامسة والعشرين على «مذبحة» الراحل داني شمعون وزوجته وولديْه، مع احتفال التيار العوني بهزيمة منكرة نزلت بالجنرال ميشال عون والمنطقة المسيحية شبه المدمّرة بعدما سقطت تحت دبابات الاحتلال السوري التي أخرجتها منها حرب المئة يوم بصمود المسيحيين و»قلعة الأشرفية القواتيّة» تحت أطنان من وابل صواريخ قصف راجمات الغراد السوري.
وبعيداً عن هذه المفارقة، ما يجب أن يستوقف كلّ لبناني هو «السيناريو» المتشابه الذي مهّد يوم الأحد 21 تشرين الأول عام 1990 لاغتيال داني شمعون وعائلته، فقبل اغتيال شمعون بأيام قليلة صدرت مذكرة من قيادة الجيش تطلب من أفراد الحراسة المولجين حمايته الالتحاق بوزارة الدفاع»، هكذا أصبح أمن داني شمعون مكشوفاً بعد تخلّي «دولة الاحتلال» وأركانها عن دورها في تأمين الحماية له، في شارع يعجّ بجنود الاحتلال السوري!!
ونستطيع مطالعة وجه الشارع الذي يقطن فيه داني شمعون وعائلته في شهادة جورج الأعرج لقناة الجزيرة في وثائقي عن «الاغتيال السياسي لداني شمعون» قال: «أنا كنت موجوداً عند داني لمدة ثلاثة أربعة أيام، بأحد الجلسات أنا وداني على البلكون والعسكري السوري عم يتمشّى على الطريق وعم بيقوصوا بالعالي وماشيين، واقفين على البلكون بالبناية عم نطلع، ما عم بنحكي بشيء بس عم نتفرج على هذا العسكري الماشي على الطريق(…)» ألا يتوجّب علينا أن نتساءل هنا من فتح الطريق لسيارتيْ الـ BMW السوداويْن اللتيْن قاما من فيهما بإتمام المهمّة بدرجة عالية جداً من الإجرام!! ومن يتجرّأ على دخول شارعٍ يحتلّه الجنود السوريين الذين يتفرّج عليهم داني شمعون من شرفة منزلة؟!
سيناريو الأمن المكشوف شاهدنا سياسته تطبّق لاحقاً على الرئيس الشهيد رفيق الحريري، بالرّغم من وجود اتفاق بين الرئيس الحريري وسيىء الذكر رئيس الجمهورية آنذاك وجهات أخرى عند ترك الحريري الأب رئاسة الوزارة وينص الاتفاق على أن يُحافظ على أمن دارته وأن يُعطى ما يلزم من عناصر أمنيّة وتقدّم الرئيس الحريري بطلب شفهي لتأمين هذه المجموعة وتمت الموافقة، وفوجئ بعد فترة وجيزة بسحب هذه المجموعة قبل ارتكاب جريمة اغتياله بأيام قليلة، يومها حاول الرئيس الحريري أن يعرف سبب سحب هذه المجموعة وجاءت الإجابة من المسؤول: «الرئيس الحريري معو مصاري كتير فليستأجر ناس…» [المستقبل، الإثنين 14 آذار 2005].
أما في توجيه الاتهامات فللمفارقة أنّ وكالة رويتر نقلت بياناً لوزارة الخارجية الإسرائيليّة قالت فيه: «إنّ قتل داني شمعون هو الأحدث في سلسلة عمليات القتل والإبادة للزّعماء اللبنانيين البارزين لكلّ المذاهب والطوائف والتي ارتكبها السوريّون أو عملاؤهم» [النهار 22 تشرين الأول 1990]… وللمفارقة بعيد اغتيال الرئيس الحريري بيوم واحد صرّح وزير الخارجية الإسرائيلي سيلفان شالوم من لندن يوم الثلاثاء 14 شباط 2005: «إسرائيل لا تستبعد فرضية ضلوع حزب الله في اغتيال رئيس الحكومة السابق رفيق الحريري» وفي الاغتياليْن أصابت إسرائيل في توجيه الاتهام!!
وتبقى شهادة ستجعل القارئ يتيقّن من أن اغتيال داني شمعون كان تصفية وبأمر سوريّ، وهي شهادة «من زمن الغشاوة على عينيْه» يومها اتهم ـ من لم يجرؤ على اتهام قتلة أبيه بقتله بل قصدهم وسلّم لهم مصيره ـ»رئيس الحزب التقدّمي الاشتراكي وليد جنبلاط قائد القوات اللبنانيّة الدكتور سمير جعجع وسفير لبنان في باريس السيد جوني عبده باغتيال شمعون وقال: هكذا تريد الاستخبارات، استخبارات السفير المشؤوم في باريس المتحالف مع «الحكيم» حليف الرئيس الياس الهراوي»»[النهار 22 تشرين الأول 1990 ص 11]!!