Site icon IMLebanon

ضمن أي مفهوم تدار عملية التأليف؟

 

لا حكومة إلاّ على قياس الأحجام والأوزان، حسب المبدأ المعتمد بعد الانتخابات النيابية. وليس بالعدد وحده يتم حساب الأحجام والأوزان، كما يعرف الجميع من الثوابت والمتغيرات في الواقع اللبناني ضمن التحولات المستمرة في المنطقة. فهذا مقياس من مطاط سياسيا، وان كان محددا رقميا. ولا أحد يعرف ان كنّا على الطريق الى حكومة بأسرع ما يمكن، كما يتمنى كثيرون، أو بأبطأ ما يمكن كما يرى آخرون.

ذلك ان السؤال عن وقت التأليف وشكل الحكومة وتوزيع الحصص مرتبط بالسؤال عن المفهوم الذي يدار به التأليف المرتبط طبعا بالمفهوم الذي أديرت به المعارك الانتخابية بالتحالفات والخصومات. مفهوم اعطاء الأولوية لمعالجة الأزمات الداخلية ومواجهة التحديات الخارجية أم مفهوم إعداد المسرح لطموحات شخصية وفئوية وطموحات اقليمية واسعة؟

الرئيس المكلف سعد الحريري ليس الوحيد الذي يعمل مع رئيس الجمهورية ميشال عون على التأليف، كما ينص الدستور. وهو يقول إن العالم ينتظر منّا اصلاحات جدية وقرارات جريئة بوقف الهدر ومشروعا واضحا بأن يكون القانون فوق الجميع. لكنه يعرف ان هذا جزء مما يطلبه العالم وجزء مما يطالب به اللبنانيون. وليس أصعب من تحقيق القسم المتفق عليه من مطالب العالم منّا ولنا ومطالب اللبنانيين من الذين انتخبوهم سوى تحقيق القسم المختلف عليه. فلا مشاريع سيدر لتحسين البنية التحتية تكفي للتوصل أوتوماتيكيا الى معالجة الأزمات الاقتصادية والمالية والاجتماعية، من دون رؤية شاملة، ولو جرى تمويل كل المشاريع ثم تنفيذها بإشراف صندوق النقد الدولي. ولا النأي بالنفس عن صراع المحاور الإقليمية يكفي لإبقاء الصراع خارج المسرح اللبناني إذا توسعت الحرب في المنطقة.

 

ولا شيء ينطبق علينا في تأليف الحكومة وما هو أبعد منها أكثر من القول التقليدي عن أن صنع السياسة في ايران مثل صنع السجاد: عين على التفاصيل وعين على الصورة الشاملة في الإطار العام. فلا بد، مع التركيز على التفاصيل في تأليف الحكومة لجهة الشكل والحصص وتوزيع الحقائب والتفاهم على البيان الوزاري، من التركيز على ما يدور في المنطقة من حولنا. ولا جدوى من كل الصراعات على الحصص والمواقع إذا كنا نبني على رمال متحرّكة وسط عواصف إقليمية ودولية تضرب المنطقة ومعها لبنان.

يقول اندريه مالرو الكاتب الكبير ووزير الثقافة أيام الجنرال ديغول: تعلمت من الآسيوي البعيد درساً مهماً: قراءة الآخر هي المدخل الصحيح لقراءة الذات. لكن ما نعانيه ويؤثر على مصير لبنان هو إنتفاخ الذات عبر الجهل بالنفس والآخر.