Site icon IMLebanon

الصمود» في ماراتون تكديس «الأموال الوسخة»؟

لا يخلو الاقتصاد اللبناني من مكامن قوة ساعدته حتى الان في الصمود رغم العواصف التي ضربته من الداخل والخارج. وبالنسبة الى بلد يعيش بلا رئيس للجمهورية، ومع مجلس نيابي مدّد لنفسه، وفي ظروف أمنية مضطربة على الحدود، ومن دون موازنات عامة منذ تسع سنوات، وفي ظل فساد عام… في هذه الظروف، تُعتبر النتائج الاقتصادية مفاجأة ايجابية.

لا يختلف اثنان على ان الوضع العام في البلد خطير للغاية. ولا يختلف اثنان على ان ما نراه في الأمن والسياسة وحتى البيئة، سوف نحصل على نتائجه بالأرقام في الاقتصاد.

ومع ذلك، فان الاقتصاد لا يزال مقبولا انطلاقا من مبدأ النسبية، وكان يمكن ان يكون اسوأ بكثير مماهو عليه الآن. ولتسليط الضوء على الوضع الشاذ الذي يمر به البلد، لا بد من التذكير بالحقائق التالية:

1 – يمر الوضع السياسي في عقم موصوف. لا رئيس للجمهورية، لا انتخابات نيابية، السلطة التنفيذية المتمثلة بالحكومة، لا تستطيع ان تحكم إلا بموافقة 24 وزيرا، تفرّق بينهم الانتماءات السياسية، والمصالح الشخصية المتضاربة.

2 – لا يبدو الوضع الامني أفضل. في داخل الحدود اللبنانية المتشابكة بلا ترسيم مع الحدود السورية، وعلى مسافة لا تبعد اكثر من خمسين كيلومترا عن العاصمة بيروت، تتمركز قوة ارهابية معادية. وكل يوم، يدلي مسؤول ما في الدولة، بموقف يؤكد فيه خطورة الانتظار، واحتمال تعرّض البلد الى هجوم مباغت من قبل هذه القوى الارهابية الاجرامية التي تبث الرعب في النفوس.

3 – وصلت اعداد وأوضاع وأخطار اللاجئين السوريين في لبنان، الى مستويات مُقلقة جدا. وبات الاعتراف بأن هؤلاء يشكلون ضغطا حقيقيا على الوضع الامني، سمة مشتركة لدى كل المسؤولين في الدولة، وباعتراف كل القوى السياسية.

4 – وصل الفساد المستشري الى مراحل متقدمة لم يبلغها في السابق، حتى بات تهجير مؤسسة عامة حيوية مثل الكهرباء، واقفال المبنى المركزي لأشهر طويلة، وحرق الدواليب في الشوارع، ومنع الموظفين من الوصول الى مركز عملهم من الامور العادية، والمشاهد المألوفة التي لا تحرّك ساكناً في المسؤولين.

هذا التوصيف السريع للأوضاع السياسية والأمنية والاجتماعية المرتبطة عضوياً بالنتائج الاقتصادية التي قد تنتج عنها، يمكن ان نضيف اليه وقائع اقتصادية مريرة لا تقل صعوبة. تكفي الاشارة الى ان البلد يعيش بلا موازنات منذ العام 2006. وعندما تكون مستويات الفساد متطورة الى هذا الحد، وفي غياب الموازنات، يصبح السطو على المال العام، مُتاحاً اكثر. والطبقة السياسية «الجائعة»، والمشاركة في ماراتون تكديس الاموال الوسخة، لا تُقصِّر.

ما دامت معظم القطاعات، الانتاجية منها والخدماتية، تتعرّض الى تراجع في أرقامها، وما دامت المالية العامة للدولة مُعرّضة الى ضغوطات اضافية، وقد ارتفع العجز المالي في لبنان من 5.8 في المئة في عام 2011 إلى 9.5 في المئة في نهاية عام 2013، فما هي مكامن القوة التي لا تزال تسمح للاقتصاد بشقيه الخاص والعام بالصمود، ودفع المستحقات في توقيتها، وحتى التفكير، في زيادة الرواتب والاجور لموظفي القطاع العام؟

لا شك ان قوة الاقتصاد تكمن في مجموعة نقاط مترابطة، يمكن تلخيصها كالتالي:

اولا- قدرة شرائية مقبولة لدى المواطنين، رغم ان مستويات الفقر بلغت مراحل متقدمة. اذ أن معدل دخل الفرد في لبنان لا يزال مرتفعا قياسا بكل دول المنطقة، باستثناء الدول النفطية. هذه الوضعية تمنح الدورة الاقتصادية القدرة على الاستمرار.

ثانيا – قوى عاملة في الخارج باتت تشكل نسبة جيدة من مجموع القوى العاملة اللبنانية.

ثالثا – تحويلات اللبنانيين سواء على مستوى تكديس الودائع في المصارف، او لجهة دعم القدرات الشرائية للمقيمين.

رابعا- قطاع مصرفي فعال، نجح في الحفاظ على الثقة بقدراته،وهو أمر حيوي لضمان استمرار تدفّق الاموال.

نقاط القوة هذه في الاقتصاد هي التي تسمح بالثبات في التصنيف الائتماني، وعدم السقوط الى مواقع تصنيفية أخطر. وهي التي تسمح لصندوق النقد الدولي ان يتوقع نموا قدره 2.5 في المئة، في العام 2015. هذا النمو المتوقع لن ينتج بالطبع عن المداخيل السياحية، بل عن الحركة الداخلية للاقتصاد، المرتبطة بالمداخيل الخارجية للبنانيين.

ومن المؤشرات على أهمية الدخل ما صدر أخيرا عن «كريدي سويس» العالمي، حول ثروات الشعوب، اذ تبين ان الثروات المكدسة للبنانيين بلغت حوالي 91 مليار دولار، لكن الأهم في الموضوع، ان الثروة الصافية المجمعة للفرد الواحد في لبنان وصلت إلى 21.045 دولار، بما يضع لبنان في المرتبة 52 عالمياً، وفي المرتبة 7 بين الدول ذات الدخل المتوسط إلى المرتفع، والمرتبة 6 بين الدول العربية. وهذه مرتبة متقدمة تعكس التمايز في القدرات الشرائية المجمعة للفرد.

في كل الاحوال، هناك مؤشرات على أهمية القدرة الشرائية للفرد، ظهر واحد منها في نتائج مبيعات السيارات الجديدة في لبنان، حيث تبين انها ارتفعت في خلال عام بنسبة 31.24 في المئة. هذه الزيادة شملت السيارات الصغيرة والسيارات الفارهة، على عكس ما اعتادت ان تعلنه جمعية تجار السيارات، والتي «تبرر» كل زيادة في المبيعات بأنها محصورة بالسيارات الصغيرة فقط.

هذا التبرير هدفه الخروج من دائرة الضوء، بعدما تبين ان الحكومة تضع عينها على القطاع لفرض المزيد من الرسوم والضرائب عليه. وهناك مجموعة مؤشرات أخرى تصب كلها في خانة القدرة الشرائية المقبولة للفرد في لبنان.

في النتيجة، سيبقى الاقتصاد قادرا على الصمود رغم الكبوات المتتالية، ما دامت القوى العاملة في الخارج في وضع جيد، وما دامت التقديرات والدراسات تشير الى استمرار ارتفاع الاستهلاك في الايام المقبلة. وخارج هذا الاطار، السلبيات اكثر من الايجابيات.