عندما كتب جبران خليل جبران ويلات الأمّة اللبنانيّة بالتأكيد كان يحدوه أملٌ كبير ومساحة تفاؤل بأنّ ما يطلقه من صرخات فلسفيّة ثوريّة يحمل طاقة التغيير، محزنٌ ومؤلم جداً أننا ما زلنا في مرحلة التحسّر والترديد معه «الويل لنا» تاريخ ويلات ورثناه أباً عن جدّ وعن جدّ الجدّ أيضاً!
لا تزال بعد كلّ هذه العقود التي مرّت، كأنّه كتبها بالأمس، «تسعاوية» الويل هذه حفرٌ وتنزيل على واقعنا اللبناني، كأنّا محكومون بلعنة أبديّة بأن نبقى عاجزين عن التغيير أو التقدّم، «ويلٌ لأمة عاقلها أبكم، وقويها أعمى، ومحتالها ثرثار.
ويلٌ لأمة تنصرف عن الدين إلى المذهب. وعن الحقل إلى الزقاق. وعن الحكمة إلى المنطق.
ويلٌ لأمّة تلبس ممّا لا تنسج. وتأكل ممّا لا تزرع. وتشرب ممّا لا تعصر.
ويلٌ لأمّة مغلوبة تحسب الزركشة في غالبيها كمالاً. والقبيح فيها جمالاً.
ويلٌ لأمّة تكره الضيم في منامها وتخنع إليه في يقظتها.
ويلٌ لأمّة لا ترفع صوتها إلّا اذا سارت وراء النعش. ولا تفاخر إلّا إذا وقفت في المقبرة. ولا تتمرد إلا وعنقها بين السيف والنطع!
ويلٌ لأمّة سياستها ثعلبة. وفلسفتها شعوذة. أما صناعتها ففي الترقيع.
ويلٌ لكلّ أمّة تقابل كل فاتح بالتطبيل والتزمير. ثم تشيعه بالفحيح والصفير لتقابل فاتحاً آخر بالزمير والتطبيل!
ويلٌ لأمّة عاقلها أبكم. وقويها أعمى. ومحتالها ثرثار.
ويلٍ لأمّة كلّ قبيلةٍ فيها أمّة!».
متى تنتهي هذه المنظومة العسيرة، ويخرج لبنان ومعه الأمّة اللبنانيّة من بازارات المزايدة على أممنا المشرذمة، كلّ ما نشاهده على أرض الواقع اللبناني يؤكّد أن «الويل» سيبقى مصلتاً على رؤوسنا جميعاً ما دامت هذه العقليّات والنفسيات تتحكّم بمصير لبنان وشعبه سنبقى ندور في هذه الحلقة المفرغة!
من المؤسف أننا ما زلنا لا ندري أيها نحن، وإن كنّا الأقرب إلى «الحمير» في صبرها على حمل أثقالها، وأقرب إلى الغنم في الانقياد لسياسيين نعيد انتخابهم هم أنفسهم رغم معرفتنا العميقة وخبرتنا الكبيرة بكذبهم وتبعيتهم لآخرين سواك ومع ذلك عند كلّ انتخابات نذهب قطعاناً لإسقاط لوائحهم في الصناديق إيماناً منا بحماية الطائفة أو المذهب لا الوطن!!
واسوأ ما في هذا المشهد برمّته حال اللامبالاة التي يغرق فيها الشعب اللبناني، أدار ظهره لكلّ شيء، وغرق في صمت مستسلم لهذه الويلات التي تتحكّم بمصيره، هذا شعب ليس من طبيعته اليأس والاستسلام، فاتورة مولّدات الكهرباء أشبه بمجزرة تنفّذ بحقّ ما تبقّى في جيوب اللبنانيين، اكتفوا بالشتم واللعنات»ودفعناها جميعاً متل الشاطرين»، إنّه تيئيسٌ منظّم للبنانيين الذين يبدو أنهم فقدوا الأمل نهائياً في أن يتغيّر حرف في واقعهم الكاسر!
«ويلٌ لأمّة عاقلها أبكم. وقويها أعمى. ومحتالها ثرثار»، أليس هذا واقعنا بحرفيّته؟، «ويلٌ لأمّة سياستها ثعلبة. وفلسفتها شعوذة. أما صناعتها ففي الترقيع».. أليس هذا واقعنا الغارق في الترقيع فإذا رقعت من هنا انفتقت من هناك؟ ألا تدور حولنا ثعالب السياسة مخادعة تفترسنا ونحن نتفرّج عليها ولا نفكّر حتى بالدّفاع عن أنفسنا؟
ميرفت سيوفي