Site icon IMLebanon

من قطر إلى السعودية إلى شوارع إيران.. تباشير خير جعلت المرأة تحمل سيفها

 

ملامح التغيير التاريخي والخروج من التخلّف

 

 

التاريخ تُحرِّكه أحداث تبدو عابرة ولكنها في الحقيقة تعبّر عن تحولات تاريخية كبيرة، فالحرب العالمية الأولى اندلعت من طَلْق مسدس، والحرب الأهلية في صربيا وانقسام يوغوسلافيا حصل بعد وفاة «تيتو» و… و…

وما حصل في «مونديال كرة القدم» في قطر، حدثان معبّران تعبيراً صارخاً عن أوضاع وتحوّلات تاريخية!

 

الأول: فوز السعودية على الأرجنتين يعكس التطور الهائل في بنية المجتمع السعودي الذي بانت تباشير دخوله القرن الواحد والعشرين واتجاه السلطة الى بناء دولة عصرية متقدمة متطورة مسلّحة بالعلم والتكنولوجيا، فالأرجنتين هي بطلة العالم منذ عشرات السنين وجاء انتصار الفريق السعودي ليهزمها أمام مئات الملايين في العالم معبراً أنه كما في الرياضة كذلك في الإدارة وفي السياسة و… و… فإن السعودية دخلت نادي الكبار في العلم والمعرفة وفي تنظيم البنية التحتية للمجتمع السعودي سواء الإنسانية أم العلمية أم الإجتماعية أم السياسية أم الاقتصادية أم… أم… لدخول العصر من أبوابه العريضة.

الثاني: كان امتناع الفريق الإيراني عن انشاد النشيد الوطني الإيراني تضامناً مع الشعب الإيراني الثائر الذي يلهب «ثورة الحجاب» في طلب الحرية وفي طلب الكرامة الإنسانية ضد حكم رجال الدين العاملين على إحياء الأمبراطورية الفارسية العسكرية الإستبدادية على حساب الحرية وكرامة الإنسان وعلى حساب الخروج من العصر والعودة الى الماضي السحيق! وذلك أمام مئات الملايين من المشاهدين في العالم! امتناع الفريق الإيراني عن إنشاد النشيد الوطني الإيراني أمام الملايين من المشاهدين أمر يؤكد ان «ثورة الحجاب» في إيران ليست عابرة ولا هي نسمة صيف بل إن شباب إيران أخذوا مبادرة التغيير مع كل تحدياتها وتضحياتها للعودة ليس الى الأمبراطورية الفارسية واستبدادها بل للعودة الى أيام محمد مصدق الذي أمّم البترول الإيراني وكان يبني دولة برلمانية ديمقراطية والشعب معه يسانده الى أن جاء الإنقلاب الأميركي بواسطة الجيش، فعاد الشاه ولم يُقِم محمد مصدّق طويلاً لأن ظروف سجنه أيام الشاه الصحية والسكنية كانت محضَّرَة للخلاص منه!

الفريق الإيراني عبّر عن تضامنه مع شعب إيران الذي قُتل مئات الألوف منه في شوارع المدن الإيرانية من الشباب المحتجين الثائرين، طلاب الحرية وطلاب الدخول الى العصر، وكان لافتاً أمام مئات الملايين في العالم الدور الذي لعبته المرأة الإيرانية في شجاعتها وتقدّمها في أول صفوف التظاهرات، ورفعها شعارات الحرية ودخول العصر وحرصها على التقدّم! كانت «جميلة بوحيرد» أجمل أغنية مسلمة، أتعبت الشمس ولم تتعب، كانت جان دارك المسلمة. المرأة الإيرانية أثبتت انها ليست لاصطياد الذباب، ستُسقط كل دولة ودولة لتُقيم دولة الإنسان.

كان الشعب السعودي في شوارع المملكة سعيداً محيياً بناء دولته والشعب الإيراني في الشوارع حزيناً ناقماً ثائراً يسعى لإسقاط دولة الملالي.

الشعب الإيراني بهمّة وشجاعة شبابه ودخول المعركة في صميم الثورة، يعبّر ويؤكد أنه شعب مُحب لحريته ولحرية الآخرين، لا يتطلع الى بناء المراكز النووية، بل الى الحرية والى فتح قلبه لسائر الشعوب، شعب محمد مصدّق، شعب الحرية والكرامة، وليس دولة المخابرات والأطماع المتوحشة التي قتلت نصف مليون سوري في قمعها للإنتفاضة السورية على بشار الأسد، وفي تخريبه العراق وإفقاره بالفساد، وإثارة النعرات المذهبية وهي تحاول بالحوثيين أن تتعرض لأمن المملكة العربية السعودية وبحزب الله الذي سبّب وعمل على انهيار لبنان وحّكَّم طبقة الفساد فيه، فأفقر الشعب اللبناني وفتح أبواب الهجرة!

وتعالوا الى كلمة سَواء وكلمة حق: الطائفة الشيعية كانت مهمّشة ومن المحرومين، كان نصفها في الحزب الشيوعي ونصفها الآخر مع العائلات الشيعية التاريخية الكبرى، ولم يكن لرجال الدين إلا الأمور الهامشية. وهي اليوم معظمها مع حزب الله الذي هو ميليشيا دينية عسكرية تابعة لرجال الدين الإيرانيين الذين ينشرون الفساد والإستبداد في إيران، وموقفهم معارض للشعب الإيراني المنتفض في الشوارع ثائراً وطالباً الحرية والحياة العصرية! لا شك أن الفراغ الذي سبّبه أمين الجميل حين أقصى كامل الأسعد عن رئاسة المجلس النيابي كما أقصى العائلات التاريخية الشيعية ليخلو الفراغ بغياب سياسة وفكر موسى الصدر ومحمد مهدي شمس الدين ومدرسة محمد مصدّق لحزب الله الذي انضم إليه الشيوعيين الشيعة وأنصار العائلات التاريخية.

ad

السيد حسن نصرالله ملأ الفراغ «بالكاريزما» التي يتمتع بها، ووظّفها في خدمة نظام ملالي إيران، فاستقطب الشيعة ونقلهم الى المواقع السياسية المتقدمة، بل الأولى! ولكن «الكاريزما» فيها الخير كما فيها الشر، «فغوبلز» النازي الهتلري كانت عنده «كاريزما» ساهمت في إشعال حرب عالمية ذهب ضحيتها عشرات الملايين وهدمت ألمانيا عن بكرة أبيها!

«أنجيلا ميركل»، الرئيسة الألمانية التي جاءت أيام السلم كانت لها «كاريزما» هائلة ولكنها بالكاريزما أعادت إعمار ألمانيا وتواضعت حتى لم يكن لديها خادمة ولا سائق سيارة فكانت تنظف بيتها وحدها وتنتقل بسيارتها الصغيرة التي تقودها من بيتها الى سراي الحكم، ونشرت السلام والتفاهم في أوروبا وكان الشعب الألماني يحيطها بمحبته ويجدد لها ولايتها بالمحبة والتواضع خلال عشرين سنة!

السيد حسن نصرالله مُصرّ على استخدام «كاريزما غوبلز»! لماذا يا سيد حسن لا تكون «الكاريزما» الهائلة في الزعامة في اتجاه «انجيلا ميركل» وباتجاه «المهاتما غاندي» و«البانديت نهرو» وباتجاه «الأم تيريزا» باتجاه الوئام والمحبة والسلام والحرية، وليس باتجاه المخابرات والإغتيالات والتخوين، وباتجاه ملالي إيران ضد الشعب الإيراني نفسه المطالب بالحرية وبالحياة العصرية. لماذا يستوحي السيد نصرالله استبداد الشاه والملالي ولا يحيي تراث محمد مصدّق الديمقراطي؟ فتتقدم الطائفة الشيعية من تلقاء نفسها الى مكانة تستحقها القمم النبيلة وليس بالنار والحديد والقتل والفساد والإفساد والأحقاد والضغائن!!! لماذا لا يحاول السيد حسن نصرالله نقل الطائفة الشيعية من الفقر والتهميش الى العلم والرخاء والتقدم والعصر والحرية بمدرسة محمد مصدّق؟

ان تلاميح تغييرات تاريخية تظهر في الأفق، إن كان من انتصار الفريق السعودي في مونديال قطر على الأرجنتين أو في انتفاضة وثورة الحجاب في شوارع المدن الإيرانية التي تؤكد الذهاب الى العصر والى العلم والى الحرية، لا سيما في الجيل السعودي الجديد وفي الشباب الإيراني الذي يتساقط منه المئات كل يوم في تظاهرات ضد القمع والفساد والإستبداد والذي يعيد المرأة المسلمة إنساناً عظيماً كما «أنديرا غاندي» وكما «أنجيلا ميركل» ولا يبقيها مهمّشة محجبة من رأسها لقدميها كائناً هامشياً، بل المرأة هي نصف المجتمع. ان ربط الأنوثة بالعيب والعار في العالم الإسلامي جعلنا مجتمعاً محروماً من الطمأنينة، ننام والسكين تحت وسادتنا.

وألف تحية لسفراء السويد، الدانمارك، فنلندا والنروج على البيان الذي نُشر في «النهار» منذ أيام عن «المساواة بين الجنسين التي هي جزء من الإقتصاد الذكي». فالمجتمع الذي فيه المرأة على هامش الحياة ليس نصف وطن انه جزء من مئة وطن.

هاتوا لنا سفراء وكتّاب ومثقفين إيرانيين يذهبون في هذا الإتجاه لكي يعود العالم العربي وإيران الى بناء مجتمع الحضارة والحرية والعلم والثقافة والإقتصاد المزدهر، لتكن قضية فلسطين والعدل والإنصاف فيها جزءاً من همومنا وحياتنا السياسية والاجتماعية والدولية والاقتصادية ولا تكون هي وحدها المحرك للنشاط الإنساني، فهي وحدها دون غيرها كانت سبباً لانصرافنا عن سائر أركان الحياة والتقدم في المجتمع، جاءت بالمخابرات والجيوش، فإنها أهملت الحضارة والثقافة والاقتصاد والسياسة في العالم العربي الذي لحقه لبنان اليوم.

لقد دقت الساعة، ما حصل في «مونديال قطر» مبشّر ومؤشر اننا متجهون الى الحياة العصرية والعلمية والى الحرية والى العصر، المرأة المسلمة حملت سيفها وصارت إنسانة حيّة تريد أن تختار ما تراه وتريد أن تمزّق الحياة من حبّها للحياة.

خلفنا ثلاثة أرباع قرن من التخلّف الذي كانت شرعية ممارسة السلطة محصورة بالتجارة بقضية فلسطين، فخسرنا العالم العربي وخسرت إيران وصارت إسرائيل من الدول الكبرى في المنطقة.