Site icon IMLebanon

النساء أولى ضحايا “فشّة الخلق” والشكاوى تتضاعف

 

 

الحجْر المنزلي يُشعل عنف الرجل

 

“وضعنا المادي سيئ جداً، زوجي كان يعمل بشكلٍ متقطع في الفترة الأخيرة في إحدى الشركات الخاصة، بعد انتشار فيروس كورونا والتزام اللبنانيين بإجراءات الحجر المنزلي، ولم يعد يقبض إلا نصف راتب، بالإضافة إلى الغلاء الفاحش لكل المواد الغذائية، ومنذ أسبوعين توقف عن العمل إلى حين انتهاء فترة التعبئة العامة، فلازم المنزل وراح يضربني وأولادي و” يفش خلقو فينا “… تعبيراً عن غضبه من مكوثه في البيت، وتحوله الى عاطلٍ عن العمل”.

هذا ما كشفته سامية ف. ( 35 عاماً، ربة منزل) في حديثها لـ” نداء الوطن” من منزلها الواقع في أحد أحياء العاصمة بيروت. ومثلها منال نانسي وهي سيدة في العقد الثالث من العمر متزوجة ولديها ثلاثة اطفال، تعيش مع زوجها وأهله في ظروف إقتصادية متردية، وفي ظل إجراء “الحجر المنزلي” والأزمة الإقتصادية الحادة، أصبح زوجها عاطلاً عن العمل فيما هي لا تعمل في الأساس.

 

تعرضت نانسي للعنف الجسدي من ضرب وإيذاء من زوجها عدة مرات، وبعدما زادت وتيرة هذا العنف إضطرت الى ترك المنزل واللجوء إلى منزل أخيها، بعدما واجهت صعوبة في الذهاب إلى مركز آمن أو دار إيواء بفعل أزمة كورونا، وأثناء مكوثها في منزل أخيها مارس عليها زوجها العنف المعنوي حيث منعها من رؤية أولادها والتحدث إليهم، ما جعلها وأولادها في حالة نفسية سيئة، خصوصاً أنها غير قادرة، نتيجة الظروف الحالية، على رفع دعوى قضائية.

 

وقد استفادت نانسي من الخدمات التي تقدمها الهيئة اللبنانية لمناهضة العنف ضد المرأة مثل:

 

خدمة ادارة الحالة، الدعم النفسي، الإستشارة القانونية بالإضافة إلى وضع خطة عمل معها للتخفيف من خطورة الوضع الذي تمر به.

 

ويبدو أن حالتي سامية ونانسي لا تُشكلان سوى عينة من عشرات حالات العنف الأسري، التي تسجّل إرتفاعاً نسبياً خطيراً في خلال فترة الحجر هذه، وازدادت معها معاناة فتيات وسيدات وأمهات وقعن في كماشة معنفيهن.

 

مؤشراتٌ خطيرة ظهرت، فالخط الساخن المخصص لتلقي شكاوى العنف الاسري لدى قوى الامن الداخلي 1745شهد ارتفاعاً بنسبة 100% في آذار الماضي، مقارنة بالفترة نفسها من العام 2019، ما أثار قلق المنظمات الحقوقية التي تعنى بحقوق المرأة، والتي استقبلت بدورها مئات الحالات والتبليغات والمكالمات، بعد أن وضع الفيروس النساء في الخطوط الامامية الخطرة مباشرة أمام معنفيهن، وسط مطالبات بتأمين الحماية لهن وبعدم التسامح مع حالات العنف هذه.

 

العنف الاسري جريمة غير مبررة

 

وفي هذا السياق هل يمكن لنا أن نتجاهل ما أعلنه الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش في الخامس من نيسان أنه بالنسبة للعديد من النساء والفتيات، فإن أكثر مكان يخيم فيه خطر العنف هو المكان الذي يُفترض به أن يكون واحة الأمان لهنّ: منزلهن؟، وماذا عن دعوته إلى اتخاذ تدابير لمعالجة “الطفرة العالمية المروعة في العنف المنزلي” ضد النساء والفتيات، المرتبطة بحالات الإغلاق التي تفرضها الحكومات كنتيجة لجهود الاستجابة لجائحة كورونا؟ في ظل إشارة الأمم المتحدة بأن دولتي لبنان وماليزيا مثلاً، شهدتا تضاعف عدد المكالمات على خطوط المساعدة، مقارنة بالشهر نفسه من العام الماضي.

 

وترى المحامية في منظمة “كفى” ليلى عواضة أن “العنف الاسري جريمة، وهي غير مبررة تحت أي ظرفٍ إقتصادي أو اجتماعي أو صحي، وهو ليس إشكالاً عائلياً فقط، لأنه يعرض النساء داخل المنزل أحياناً للقتل”. ومن الأمثلة: في الأسبوع الاول من نيسان حصلت 6 جرائم قتل طاولت نساء وطفلة، رقم ليس بصغير “لأن إحصاءاتنا، تقول عواضة، سجلت 9 جرائم قتل طيلة العام 2010، والأرقام التي سجلناها لا تعكس الأرقام الحقيقية لحالات العنف الأسري الحاصل.

 

والمقارنة في الاتصالات الواردة الى المنظمة تظهر أن شهر آذار سجل 188 إتصالاً مقارنة مع 72 إتصالاً في آذار 2019، أما في نيسان فارتفع الى 291 في النصف الاول منه فقط، فالتبليغ يجب أن يكون مسؤولية مجتمعية وقانونية، فإذا سمعنا أو شاهدنا تعنيف سيدة أو شابة علينا التبليغ على الرقم 1745 لقوى الامن الداخلي، فالقانون يعاقب أي مواطن علم أو شاهد جريمة ولم يبلغ عنها، تؤكد عواضة.

 

العنف الجسدي إرتفع إلى 500%

 

أما الهيئة اللبنانية لمناهضة العنف ضدّ المرأة، فتشير أحدث جداولها الاحصائية الى ارتفاع نسبة التبليغات عن العنف الاسري الى 120% بين 1 و 24 نيسان الفائت مقارنة مع الفترة ذاتها من العام الماضي، وإرتفاع نسبة العنف الجسدي بشكل مخيف الى 500% مقارنة مع آذار الشهر الفائت و 300% مقارنة مع نيسان 2019.

 

وتضيف صفير أنه من التحديات التي تواجهنا في مراكز الاستماع والارشاد بطء الحلول القانونية وتأجيلها الى ما بعد إنتهاء فترة التعبئة العامة، سيما في ما يتعلق بحالات العنف المعنوي والمادي في ظل إقفال المحاكم الشرعية والروحية، ما يزيد من معاناة النساء معنوياً ونفسياً، لافتةً إلى أن الهيئة تجد صعوبة هائلة عند إحالة بعض الناجيات إلى مراكز للإيواء التي لم تعد تستقبل إلا الحالات الضرورية جداً بسبب أزمة كورونا، رغم إتخاذنا بعض التدابير المطلوبة.

 

ومن الصعوبات أيضاً يبرز النقص في تنفيذ قرارات الحبس بحق الرجال المعنفين والتقصير في تنفيذ بلاغات البحث والتحري بحق الآباء الخاطفين لأطفالهم، رغم وجود بعض القرارات المبرمة والنافذة من الجهات والدوائر المعنية بتسليم الاطفال لامهاتهن، وذلك بحجة نقل فيروس كورونا الى الموقوفين داخل السجون، تُشير صفير.

 

وإذ تثني على الخطوات القضائية المتّخذة أخيراً عبر تقنية الإستماع عن بُعد، إلى إصدار قرارات حماية للناجيات من العُنف الأسري، تشيد بجهود القوى الامنية للحد من هذه الظاهرة التي تهدد أحد اركان العائلة والمجتمع، مطالبةً مع هذه القوى بالتعامل مع هذه القضايا الملحة بالسرعة اللازمة.

 

نتوقع إرتفاعاً بنسب التبليغ

 

بدورها لا تستغرب مسؤولة قسم الاعلام في منظمة “كفى” زينة الاعور أنه في حالة الحجر الصحي والازمة الاقتصادية – الاجتماعية والبطالة وتراجع القدرة الشرائية، فإن وتيرة العنف الاسري ستزداد بالتأكيد، معتبرةً أنه ليس من الضروري أن يعكس هذا الإرتفاع الارقام الحقيقية داخل المنازل، حيث أن الأرقام الواردة تعكس فقط أعداد السيدات اللواتي استطعن التبليغ عن حالات العنف، موضحةً أن “المعنف يكون في المنزل ذاته مع النساء المعنفات طيلة الوقت، وهذا يعني أن النساء لا يزلن يتعرضن للتهديد بالقتل أو القتل، وحرمانهن من حقوقهن وكرامتهن الإنسانية؛ ومن هنا نتوقع إرتفاعاً بحالات ونسب التبليغ بعد رفع حالة الحجر المنزلي”.

 

ووفق الأعور فإنه وبعد أن كان العنف يقتصر على الزوج أصبح يشمل الاخ والاب والابن والعم والخال، وكدليل على صعوبة إجراء الاتصال هناك حالة في آذار عن سيدة قصدت منزل جارتها لتتصل بالرقم الساخن، لكن حالياً فإن وتيرة التبليغ إزدادت عبر وسائل التواصل الاجتماعي وما عادت التبليغات محصورة بالاتصال الهاتفي فقط.

 

واعتراضاً على العنف الاسري قامت مجموعة من النسوة في 16 من نيسان الحالي بوقفة تضامنية مع النساء المعرضات للتعنيف من الشرفات تحت عنوان “لنوقف العنف ضد النساء داخل منازلهن”، وذلك تلبيةً للدعوة المفتوحة التي اطلقتها منظمة “أبعاد” للتضامن مع النساء، بالوقوف في شرفات المنازل، تحت شعار: “الحجر مش (ليس) حجز”. حيث انتشرت عبر مواقع التواصل الاجتماعي، وتحديداً “تويتر”، صور لمظاهر الاعتراض على زيادة نسب العنف الأسري حيث قرعت نساء لبنانيات على قدور ومقالٍ من شرفاتهن في بيروت، للتعبير عن رفضهن للعنف المنزلي.