كسرت المرأة الحواجز كلّها، ألغت حصريّة مهن ذكورية، غير آبهة بتعليقات الناس، فكانت اللحّامة، الفرّانة، البائعة المتجولة، وغيرها من المهن التي باتت جواز سفر لكل الباحثات عن فرص عمل، في بلد نسبة البطالة فيه تتجاوز الـ70 بالمئة.
قبل 15 عاماً، إضطرّت فاطمة حسن “أم حسن” أن تفتح ملحمة زوجها بعد وفاته، لم يكن خيارها سهلاً، “كيف أكون لحّامة وسط لحّامين رجال”؟ الفكرة بحدّ ذاتها كانت صعبة عليها ومع ذلك عزمت على خوض التجربة متحدّية الانتقادات كلّها. داخل ملحمتها الصغيرة في مدينة النبطية تقطع اللحم وتقصّه وتفرمه، وتلبّي طلبات الزبائن على قلّتهم بسبب ارتفاع أسعار اللحوم في لبنان، مُستقبلةً إيّاهم بابتسامة عريضة. وحين تسألها عن سرّ صمودها في مهنة ذكورية تضحك قائلة “إنتهى زمن حصرية المهن، ودخلنا زمن ابتكارها، وصعوبات كثيرة واجهتني حتى تمكّنت من اكتساب تقبل المجتمع، إلى درجة قاطعني الناس، قبل أن يقبلوا الواقع”.
تحاول أم حسن أن تؤمن كل متطلبات أولادها، تحرص على المحافظة على عملها وتصمد في خضمّ الأزمات العاصفة، فـ”أن تكون لحّامة في بلد ما زال يشكك بقدرات المرأة ليس سهلاً، ولكن أثبتُّ أنني على قدر الثقة”.
باكراً يبدأ عملها، تذهب إلى المسلخ لشراء اللحم الطازج، ثمّ تحضره وتنظّفه تمهيداً لبيعه، في رحلة مضنية جداً، لكنها بنظرها “العسل الحلو لأنني أحب عملي وأعشقه، لا سيما أنني المرأة الوحيدة التي تحدّت المجتمع وبقيت لحامة، ولن أترك مهنتي حتى أموت”.
الرقم الصعب
هنّ سيدات في مهن الرجال، تحدّين المجتمع ونظرته الدونية تجاه قدرات المرأة، لم يأبهن للانتقادات ولا لتحطيم المعنويات، على العكس، رمين كل التعليقات جانباً ومضينَ في مشوار التحدي.
عادة ما تجدها تعبر بـ”فانها” في طرقات النبطية وقراها، رفضت أن تكون ربّة منزل على الهامش، قرّرت أن تكون شريكة زوجها في العمل، فكان لها ما أرادت.
بابتسامة تستقبلك أدنى فحص وهي تقول “نجحت أن أكون رقماً صعباً في المجتمع”. تعمل في بيع أوراق المحارم والألمنيوم والصحون البلاستيكية وغيرها، تلبي طلبات الزبائن وتنقل البضائع بـ”فانها”.
” لم يتقبلني المجتمع بسهولة” تقول، مردفة “معظم زبائني رجال، رفضوني بداية، غير أنهم تقبلوا عملي بصعوبة”.
قبل عشر سنوات بدأت رحلة أدنى على “الفان”، متنقلة بين بلدة ومنطقة وأخرى، صمّت آذانها عن كل الانتقادات “إمرأة على الفان”، “شو بيعرفها بالمصلحة” غير أنها أثبتت أنها “أخت الرجال وأكثر”، ومع الوقت تقول “أصبحت أنا الأولى في العمل”.
في محلّها في بلدة كفررمان، حيث تتوزع البضائع الورقية المتنوعة، تعمل على تجهيز طلبات الزبائن قبل أن تنطلق في رحلة توزيعها الطويلة.”لم أتخل عن أمومتي، ولا أهملت أولادي، على العكس، كنت قريبة منهم وكنت أفصل عملي عن تربية أولادي، وعادة ما كنت أصحبهم معي أثناء عطلهم”.
هن أخوات الرجال، تحدّين كل شيء، وخلقن فرص عملهن لمواجهة الظروف الصعبة. ما زالت أعداد النساء اللواتي يعملن في مهن ذكورية محدودة في لبنان مقارنة بباقي البلدان، وتنحصر أعمال المرأة عادة في التمريض والإدارة والتعليم. من النادر أن ترى سيدة فرّانة، تقف أمام فرنها الحديد، تتحدّى لهيب النار، لتؤمن متطلبات أولادها، تكاد تكون الوحيدة في جنوب لبنان التي تقف أمام الفرن. قبل عام تقريبا بدأت فريال الشامي في عملها في الفرن، بعدما ضاقت بها سبل العيش، الأم لثلاثة أولاد تركت شهادتها في التصميم الداخلي وفكرت كيف تكون سيدة اقتصادية متحررة من ظروف الواقع. تقول فريال “إن المجتمع لم يتقبلني بسهولة، غير أن إصراري وعزيمتي دفعاني لأواجه، فظروف زوجي الصحية صعبة، وكان عليّ أن أعمل بديلا عنه كي لا نمدّ أيدينا للناس. كما أنني أعمل سائقة “فان” أنقل الطلاب إلى المدارس، لأنني أقتنع بفكرة الشغل مش عيب”.
لم تأخذ المرأة حتى الساعة حقّها، ولم ينصفها القانون اللبناني، ما زالت العصمة بيد الرجل، والأطفال من حصة الرجل رغم كل المناشدات لإنصافها لأنها نصف المجتمع، إلا أنها بقيت في الهواء. وفي يوم المرأة العالمي، لم تتّحد السيدات حتى الساعة لتحصيل حقوقهن، ولهذا تستقل المرأة بقراراتها وأعمالها لتكون سيّدة قرارها.