مطلع القرن الحادي والعشرين، ووقت كان عدد كبير من النساء يحكم دولاً مهمة في العالم ويشارك في الحكومات والبرلمانات ويتزعم أحزاباً وينافس الرجال في أكثر المهن صعوبة، لم يكن أحد يتصور ان النساء السعوديات يمكن ان يشاركن يوماً في انتخابات. الان حصل ذلك وفازت بعضهن في الانتخابات البلدية التي أجريت السبت في المملكة.
خطوة قد يعتبرها البعض صفراً في مقاييس التقدم العالمية، لكنها ذات دلالة وتمثل خرقاً في مملكة الذكور. انها تذكر باليوم الاول الذي سمح فيه للبنات والشابات السعوديات بدخول المدرسة والتعلم، وها هي اليوم نسبتهن في المدارس والجامعات والمعاهد العالية تفوق نسبة الصبيان والشباب.
واذا صار للسعوديات الحق في الاقتراع والترشح لمناصب محلية، فإنهن لا يزلن محرومات قيادة سياراتهن الى مراكز الاقتراع وممارسة هذا الحق المكتسب. بات من حق الفتاة السعودية ان تنتخب وتختار من تراه مناسبا لتمثيلها في المجالس البلدية، لكنها لا تملك حق السفر أو العمل أو الزواج الا بإذن ولي الامر… هذا شيء وذاك شيء آخر دون الوصول اليه صبر طويل. فسقوط قيد الترشيح لا يعني سقوط قيود منع الاختلاط وقيادة السيارة ونظام ولي الامر والعباءة السوداء.
الرجال لن يتخلوا طوعاً عن ميزات توفّرها لهم مملكة الذكور لتطويع النساء وجعلهن حرثاً لهم، ولن يشغلوا بالهم في الدفاع عن الحقوق الطبيعية للنصف الاخر، ما دامت الشرائع والقوانين تضمن لهم الغلبة وكل السلطات الاخرى بما فيها الاسرية. الفجوة بين نصفي المجتمع كبيرة، والرجال والسلطة السياسية المتزمتة والمتكئة على سلطة دينية أشد تزمتاً، لن يعدموا وسيلة لتضييق الهوة حيناً باسم العادات والتقاليد والنقاء العقائدي وأحياناً بالتحذير من ثقافة الغرب وقيمه التي تهدف الى “غزو مجتمعنا” وتدميره من داخله بجعل المرأة “سلعة”. والانكى ان هذه الترهات التبريرية تلقى صدى لدى جانب واسع من النساء المحافظات اللواتي صرن أشد قمعاً لانفسهن من قمع الرجال لهن. وهكذا يصير التغيير والاصلاح ومعركة النساء من أجل حقوقهن وحياة أفضل والحد الادنى من المساواة شديدة الصعوبة والتعقيد أين منها معارك التغيير المرتجاة على امتداد الخريطة المشرقية.
بشل المرأة يشل نصف المجتمع وتخسر الدولة نصف قدراتها المهنية أو تغيب. وهذه القدرات لا تنضب بنضوب النفط ولا تتراجع قيمتها بتراجع اسعاره. لكن النساء السعوديات باصرارهن على كسر القيود والانعتاق من التخلف يطمحن الى ما يليق بعلمهن وثقافتهن، فحذار ثورتهن لانها ستكون غير كل الثورات.