في خضمّ الأزمات والمشكلات التي يعاني منها البقاع، وبين الأمن المنشود والإنماء الموعود تنشُد المرأة البقاعية دوراً أكبرَ لها في الحياة السياسية، وتطمح إلى لعِب دور في عملية صناعة القرار، بعد أن أكملت مسيرتها العائلية فأنجبَت وربَّت وخرَّجت، وقدّمت الشهداء ولا تزال تقدّم في سبيل الوطن، وتسعى لأن تكون جزءاً من منظومة القرار. أفلا تستحقّ ؟
لم تكن مشاركة المرأة البقاعية في الانتخابات النيابية الأخيرة عبر الترشّح في أكثر من لائحة إلّا من مبدأ العمل على إثبات شخصيتها وقدرتها على المشاركة في القرار السياسي، والتعاطي مع المشكلات التي يعاني منها البقاع من منطلق المعني والذي يَبحث عن حلول بالتساوي مع الرجل وربّما الأحزاب، سبقَ ذلك مشاركتها في الترشّح للانتخابات البلدية، بعيداً عن اللوائح الحزبية التي لم تعطِها حقَّ الترشّح في الانتخابات النيابية والبلدية، ففاز البعض منهنّ في عضوية المجالس البلدية، في حين لم يحالف الحظ أخرَيات في عضوية المجلس النيابي كباقي المحافظات والدوائر الانتخابية.
شهد القانون الانتخابي الجديد الذي خِيضَت على أساسه الانتخابات النيابية الأخيرة عاملاً محَفّزاً للمرأة على المشاركة في العملية الديمقراطية علَّها تصل إلى المجلس النيابي لتدافعَ عن حقّها في التمثيل والكوتا النسائية التي لم يلحظها القانون الجديد، غير أنَّ الاصطفافات السياسية والحزبية كانت أقوى من مطالبتها بحقّها في الدخول إلى الميدان السياسي من بابه العريض، وهو أمرٌ طبيعيّ، سيّما وأنّ حضورَها على صعيد لبنان كافةً كان قليلاً جداً.
وفي هذا الإطار، تقول إبتسام السعدي المرشّحة عن دائرة بعلبك – الهرمل لثلاث دورات متتالية لـ«الجمهورية» إنّ «قرار الترشّح منذ 2004 كان نابعاً من منطلقٍ ذاتيّ على مبدأ المشاركة في القرار وخدمة الناس».
تكاد تكون السعدي السيّدةَ الأولى التي اتّخَذت هذا القرار، وترى أنّ «الدخول في مضمار العمل السياسي لا يجب أن يقتصر على الرجل، بحيث يتشارك والمرأةَ كلَّ القرارات الحياتية، فلماذا لا تكون المشاركة أيضاً ممتدّة على القرار السياسي والعمل الإنمائي والخدماتي»، لافتةً إلى أنّ «الأحزاب السياسية في المنطقة لم تكن مؤهّلةً بعد لأخذِ نساءٍ على لوائحها لاعتبارات حزبية خاصة، وهو أمرٌ يجب أن يؤخَذ بعين الاعتبار في المرحلة المقبلة».
وتسأل عن «تمثيل المرأة في الحكومة المقبلة، وهل سنرى تضييقاً لتمثيل المرأة في الحكومة»، آمِلةً أن «تقوم الأحزاب اللبنانية بخطوة متقدّمة في هذا الإطار وأن يكون للمرأة البقاعية حصّة في الحكومة المقبلة».
وفيما لم تقُم الأحزاب في البقاع بترشيح نساءٍ على لوائحها في الانتخابات الأخيرة، كان للمرأة دورٌ في اللوائح المنافسة، بحيث تشكّلت ثلاثُ لوائح ضمَّت أسماءَ نساءٍ أبرَزن حضورهنّ من خلال برامجهنّ الانتخابية التي حاكت واقعَ البقاع ومتطلّباته.
وعلى صعيد العمل البلدي خاضَت ريما كرنبي تجربة تولّي مسؤولية نائب رئيس بلدية عرسال منذ 2016، وهي ناشطة اجتماعية ومشاركة في المشاريع التي قامت بها بلدية عرسال السابقة. وتقول لـ»الجمهورية» إنّ «مشاركتها في الترشّح للانتخابات البلدية كانت من منطلق عملِها ومشاركتها في العمل الإنمائي لتكونَ شريكةً فعلية في القرار السياسي، سيّما أنّ التوجّه العالمي هو نحوَ تسَلّمِ المرأةِ المسؤولية، والهدف الثاني للترشّح كان بسبب الصبغة الإرهابية التي صُبغت بها عرسال، كي أقول للمجتمع خارج عرسال إنّ أهالي البلدة متطوّرون، ولها تاريخ نضالي طويل». وحصَلت كرنبي على أعلى نسبة من الأصوات بين المرشّحين ضمن اللائحة التي ضمّتها، إضافةً إلى عشرين عضواً آخرين من الذكور.
وتصف كرنبي تجربتَها في العمل البلدي بـ»الناجحة»، وتعتبر أنّها تركت «بصمةً جيّدة في المجتمع المحلي»، من دون أن تخفيَ «مواجهتها لصعوبات عدة خلال هذه المسيرة، أهمّها نظرة الرجل للمرأة الناجحة». وتشجّع جميعَ النساء على خوض هذه التجربة.
وفيما تتطلّع المرأة إلى دورٍ أكبر في المجتمع على الصعيد السياسي، تلعب دوراً كبيراً في كلّ الميادين الحياتية، وتشارك الرَجل في هموم الحياة التي تثقِل كاهلَ الجميع. كذلك لا يخفى دور عدد كبير من النساء اللواتي لا زلنَ يحافظن على التراث البقاعي والبعلبكي في عملهنّ، كصناعة العباءات التراثية، وحياكةِ السجّاد التي تندثر يوماً بعد يوم، ناهيك عن المونة المنزلية التي تحتاج وقتاً وجهداً.