Site icon IMLebanon

فاز التيار… خسر باسيل

10 سنوات مرت على إطلاق يد الوزير جبران باسيل في التيار الوطني الحر، وربط كل الوزارات وخدماتها به شخصياً، وعزل المناوئين له ووضع مونة العماد ميشال عون بتصرفه وتكليفه رئاسة الحزب (…) ولا يزال باسيل غير قادر على احتواء حزب التيار الوطني الحر.

مقارنة بأرقام المنتسبين إلى التيار بين 2005 و2016 تبين أن أكثر من نصف العونيين باتوا خارج الحزب، فيما بينت الصناديق الانتخابية أمس أن أكثر من نصف من بقوا يفضلون من يعتبرهم باسيل خصوماً ويعاملهم على هذا الأساس. الانتخابات في الكورة وجبيل والمتن وبعبدا والأشرفية وجزين كانت بين أصدقاء الوزير باسيل من جهة، ومن جمعهم عجز باسيل عن استيعابهم من الجهة الأخرى. ورغم إظهار نتائج انتخابات الهيئات المناطقية قبل ستة أشهر أن النواب سيمون أبي رميا وآلان عون وابراهيم كنعان أقوى بكثير ممن يرضى باسيل عنهم ويراهن عليهم، كانت نتائج أمس مفاجئة. ففي جبيل، المرشح المناوئ للنائب سيمون أبي رميا، عضو المكتب السياسي للتيار ناجي حايك، ينهل من معجم أقصى اليمين اللبناني لتعبئة الرأي العام العونيّ ويحاول إظهار نفسه بمظهر عراب اتفاق الرابية ــــ معراب وسيفه وهو يستفيد من وضع باسيل بتصرفه خيرات السلطة، فيما يتجنب أبي رميا الرد على كل ما يشيعه رفاقه الحزبيون عنه ويعضّ على الجرح تلو الآخر، مؤكداً لكل الحانقين أن المكان المناسب للرد وإثبات وجهة نظرهم هو صندوق الاقتراع. وفي النتيجة، حصد أبي رميا أكثر من ضعف الأصوات التي جمعها حايك، فيما أثبت الأستاذ الجامعي بسام الهاشم (ليس نائباً ولا يحظى برعاية رئيس الحزب ويتمسك بخطاب وطنيّ مقاوم لا لبس مذهبيّاً فيه) حضوره القوي. وفي المتن، خرج النائب ابراهيم كنعان منتصراً وبفارق كبير، رغم بذل المحيطين بباسيل طوال السنوات الماضية جهداً كبيراً لإقلاق راحته الحزبية. وقال العونيون المتنيون في صناديق الاقتراع إنهم يفضلون ناشطاً ليس في سيرته الذاتية شيء غير نضاله في صفوف التيار الوطني الحر هو طانيوس حبيقة على نائب (نبيل نقولا) يضع ميشال المر كل قدراته بتصرفه ووزير (الياس بوصعب) لا ينافسه أحد في الخدمات والقدرات الإعلامية. وفي حال أراد الوزير باسيل فهم درس الصناديق العونية أمس، فلا شيء يوضحه له أكثر من نتيجة عكار حيث حصد عضو المكتب السياسي في التيار جيمي جبور أكثر من نصف أصوات المقترعين وغرد بعيداً جداً عن أقرب منافسيه الباسيليّي الهوى. لماذا؟ لأنه مناضل وابن بيئة التيار ولا يستفز القاعدة العونية ولا يُشعرها بأنه يهبط عليها بمظلة الرئيس. فالمشكلة ليست مع باسيل بقدر ما هي مع «أشخاص باسيل» الذين يشبهون بعضهم بعضاً في بذلاتهم وطريقة كلامهم واعتقادهم بقدرتهم على الحصول على كل شيء.

ففي الشوف، كان السباق بين وزير شؤون اجتماعية سابق (ماريو عون) ترشح مرتين إلى الانتخابات النيابية وهو نقيب أطباء سابق من أكبر بلدة في الشوف، وناشط في التيار الوطني الحر اسمه غسان عطاالله. وفي النهاية، حصد الناشط 153 صوتاً، والوزير السابق 90 صوتاً. لماذا؟ لأن المنتسبين إلى التيار الوطني الحر كان بوسعهم الانتساب إلى حزب الكتائب أو دويلة النائب ميشال المر أو حاشية الوزير ميشال فرعون لو كانوا يريدون أن يتمثلوا برجال أعمال وأصحاب ياقات ومنتفعين تقليديين. أما بعبدا، فخرّجت أمس منتصرين اثنين: الأول كان النائب آلان عون الذي حقق الانتصار الأكبر في هذه الانتخابات بعد زياد عبس حين حصد 450 صوتاً، فيما جمعت المرشحة المقربة من الوزير جبران باسيل نادين نعمة 64 صوتاً فقط. والثاني كان الناشط فؤاد شهاب الذي كاد يتقدم على النائبين حكمت ديب وناجي غاريوس، رغم أنه «مجرد ناشط»، فيما هما نائبان لهما صولات سياسية وإعلامية وجولات إنمائية. وفي جزين، فجر النائب زياد أسود واحدة من أكبر المفاجآت أمس. فقد تم «تنويم» أسود على حرير طوال الأسابيع الستة الماضية عبر إيهامه بأنه والنائب أمل أبو زيد غير مضطرين إلى خوض الانتخابات، ليتبين قبل 48 ساعة فقط من فتح صناديق الاقتراع أنهما مضطران إلى إثبات نفسيهما أيضاً. وفي النتيجة، جمع أسود 203 أصوات، فيما جمع النائب أمل أبو زيد 124 صوتاً. أما بيروت، فوجهت الصفعة الأقوى في هذه الانتخابات لقيادة التيار ومحكمته الحزبية حين اقترعت بكثافة للقياديّ المفصول من التيار زياد عبس. ففي سابقة، لم يمزق المنتسبون إلى التيار بطاقاتهم الحزبية تضامناً مع عبس أو يتظاهروا أو يكتفوا بالتضامن الافتراضيّ، بل كتبوا على ورقة الاقتراع موقفهم مما يحصل ووضعوها في الصندوق. وخلال فرز الأصوات، عمدت لجنة الفرز إلى تصنيف أوراق زياد عبس في خانة «لا أحد» للحؤول دون إظهار حجمه، ليتبين أن نصف المنتخبين في الأشرفية يؤيدون نائب رئيس الحزب الوزير السابق نقولا صحناوي، فيما النصف الآخر يختارون عبس. واللافت أن نفوذ عبس لم يقف عند حدود الأشرفية، فحصد المرشح المدعوم منه في دائرة بيروت الثالثة رمزي دسوم 115 صوتاً، فيما نال مرشح السلطة الحزبية، القس إدكار طرابلسي 52 صوتاً فقط. وكان النائب السابق سليم عون الذي لا يمكن وضعه في خانة النواب آلان عون وابراهيم كنعان وزياد أسود وسيمون أبي رميا، لكن لا يمكن وصفه بالباسيليّ أيضاً، قد حصد في زحلة 390 صوتاً، فيما جمع وزير الثقافة السابق غابي ليون ــ الباسيليّ ــ 190 صوتاً. وفي السياق نفسه، قال المرشح إلى الانتخابات النيابية في الكورة جورج عطاالله إن الأمر في الكورة كان ولا يزال له حيث فاز بـ148 صوتاً، متقدماً على أقرب منافسيه أنطونيوس ناصيف بأكثر من 110 أصوات.

والخلاصة تفيد بأن التيار اجتاز أمس امتحاناً ديموقراطياً مميزاً يعزز اهتمام الحزبيين باختيار مرشحيهم إلى الانتخابات النيابية بدل التسليم بمن يختاره الزعيم. وفي صناديق الاقتراع، قال العونيون إن المرشح المناسب بنظرهم ليس من يدير شركة علاقات عامة، ولا من يرشح ابنه على لائحة سعد الحريري البلدية ولا من يملك مصرفاً ولا من هو يحمل خطاب الجبهة اللبنانية ويدافع عن خياراتها الإسرائيلية، ولا من يستقوي على العونيين بأزلام النائب ميشال المر وأدواته ولا مستشار الوزير. مرشحهم إلى الانتخابات النيابية هو المناضل في صفوف التيار الوطني الحر الذي يشبه العونيين ويشبهونه.