في ذروة الحملة الرامية إلى الإفراج عن ناشطي دوما المعتقلين عند فصيل مسلح محسوب على الثورة السورية، يتقدم الرئيس السابق لائتلاف قوى المعارضة، الشيخ معاذ الخطيب، لتبرئة المتهم الرئيس بخطف رزان زيتونة وسميرة الخليل ووائل حمادة وناظم حمادي.
يقول الخطيب في كلمة نشرها على صفحته على موقع «فيسبوك» بعنوان «كلمة لوجه الله حول القائد زهران علوش» ان الأخير أقسم له على عدم علاقته بخطف «اختنا رزان» وأن الشيخ يصدق «القائد» في هذا «الأمر الغامض». ردود الفعل ركزت على حصر الإدانة بهذه النقطة علماً ان الخطيب يستهل كلمته بالدفاع عن علوش لسبب آخر هو الكلمة التي ألقاها زعيم «جيش الإسلام» أخيراً ورفض فيها فكرة الديموقراطية جملة وتفصيلاً وكفّر بها متعهداً منع دخول «الخوارج والرافضة» الى دمشق ولو على جثته.
يستحق الأمر التوقف. فالخطيب يمد حبل الإنقاذ لحماية علوش من الحملة المطالبة بالحرية لنشطاء لا جدال في انحيازهم الى الثورة من اليوم الأول ولا مجال للمزايدة عليهم بتضحياتهم في سبيلها ومن أجل انتصارها، مستهلاً كلامه بالتنديد بالضغط على علوش وتكرار رأيه في انه «يحمل همّ الأمة».
يصعب الاعتقاد بعفوية الربط بين مواقف علوش سواء من قضية مخطوفي دوما الأربعة او «حمله همّ الأمة». ويصعب أكثر التصديق ان الخطيب لم ينتبه الى الرفض الحاد الذي ابداه علوش للديموقراطية وإصراره على أن الإسلام هو الحل وأن أهل السنّة وحدهم على صواب والباطل من نصيب الآخرين. ذلك أن الخطيب يطرح دورياً مبادرات للسلام وإنهاء الحرب في سورية، بما يفترض انه مدرك لتعقيد التركيبة الطائفية والديموغرافية واشتباكها مع الصراع السياسي والعسكري الدائر واستدعاء ذلك تسويات وحلولاً وسطاً واعترافاً بالشركاء.
ولقائد «جيش الإسلام» الحق في القول في الديموقراطية ما يشاء وله ان يشتم السياسة والسياسيين آناء الليل وأطراف النهار. لكن المسألة تتعلق بتصوره لمصدر شرعية تمثيله للأمة التي أكثَر من الحديث عنها. جوابه البسيط الذي قدمه في كلمته المذكورة انه يسير على نهج القرآن والسنة «الواضحين وضوح الشمس». جيد. لكن كيف تبين له أنه هو وليس أبو بكر البغدادي، على سبيل المثال، من يسير على النهج الصحيح؟
يقود هذا السؤال مباشرة الى ما يرغب كل ابطال تنظيمات الإسلام السياسي في ترداده عن الالتزام والحق والباطل والأحاديث النبوية والآيات القرآنية، من دون ان يلتفت أي منهم الى جمهوره القابع امامه ليفكر لحظة في سبب مجيء هؤلاء الناس الى هذا المسجد بالذات. بكلمات ثانية: ما الذي يجعل هذا الشيخ او ذاك موكلاً بتمثيل المؤمنين وحماية مصالحهم (التي يدينها علوش ويعرضها كنقيض للمبادئ)، وهذا من الأسئلة البديهية التي يتعين على كل من يتعاطى الشأن العام ان يطرحها على نفسه.
وإذا طرحنا السذاجة جانباً، تجوز ملاحظة أن المشترك في كلمة علوش وفي موقف الخطيب يتلخص في كلمة واحدة: دمشق، مصيرها وهوية المشاركين في أي حل او تسوية او معركة تشملها، ومدى جدية بشار الأسد في تنفيذ تهديده الذي ابلغه الى كبار تجاره بتدميرها صنو ما فعل في حمص. تركيز علوش في كلمته على دمشق والدفاع عنها يضمر اكثر مما يعلن ويلاقي، من الضفة المقابلة، الاهتمام الكبير الذي احاط انتخابات غرفة التجارة في العاصمة الأسبوع الماضي كنوع من تهيئة قيادة دمشقية محلية للمرحلة المقبلة.
اما الناشطون المخطوفون فرمز للديموقراطية ومآلاتها الحزينة في هذه البلاد.