Site icon IMLebanon

إقبال كثيف على «صوبيات» الحطب: ولّى زمن الشوفاجات و«الدفّايات»

 

 

للشتاء ميزانيته الخاصة وحساباته الدقيقة. لا يهمّ إن كان سعر صرف الدولار 1500 ليرة أو ما إذا كانت المحروقات والسلع «مدعومة» أو لا. الشتاء، وخصوصاً هذا العام، قاسٍ على «الجيبة» بقدر قساوته المناخية. وباستثناء الميسورين الذين نجحوا في تأمين احتياجاتهم من المازوت، تجد الغالبية العظمى من اللبنانيين نفسها متروكة لمواجهة الصقيع بحلول لا تخلو من انعكاسات كارثية على البيئة، وتلجأ إلى الحطب الذي بات، بدوره، خاضعاً لمافيات السوق السوداء

 

ولّى الزمن الذي كان فيه اللبنانيون «يرندحون» مع فيروز، في ليالي الشتاء، «شتّي يا دنيا تيزيد موسمنا ويحلى…»، فالخوف من الأمطار القادمة بات يفوق خيراتها، ولم يعد بياض الثلج قادراً على إخفاء سوداوية المشهد، فيما ظلّ انسداد كل الطرق. فلا المدافئ الكهربائية تنفع في ظل انقطاع الكهرباء وارتفاع كلفة المولدات الخاصة، ولا الغاز رخيص لاستخدام المدافئ التي تعتمد عليه، فيما المازوت شبه مقطوع، وإن وجد فوفق سعر السوق السوداء.

 

حتى من تكلّفوا على تركيب شوفاجات في منازلهم وجدوا أنفسهم يعودون إلى صوبيات الحطب، بسبب انقطاع المازوت. يلفت صاحب مؤسسة Flame Deco شربل حرب إلى أن «العديد من الزبائن ممن يملكون شوفاجات يبحثون عن مدافئ حطب. وكثر يطلبون صوبيات حطب، فرنها كبير، للاستفادة منها للطبخ لتوفير مصروف الغاز. والبعض رغم أنهم من غير الميسورين يشترون أكثر من وجاق لتدفئة عدة غرف في المنزل. حتى زبائن الشومينيه تراجعوا وباتوا يطلبون وجاق. أجزم بأنني منذ عام 2012 لم أبع يوماً وجاقاً في شهرَي آب وأيلول. لكن هذه السنة، الطلب كبير. الناس تتخوف من ارتفاع الأسعار أو حتى فقدان البضاعة من السوق».

معطيات زادت الطلب على الحطب بشكل جنوني، ما أدى إلى ارتفاع سعره وندرته. والحجة الحاضرة لتبرير ارتفاع الأسعار أن «المناشير لقطعه تحتاج إلى البنزين والمازوت، إضافة إلى كلفة نقله لتسليمه للزبائن». المبررات دائماً حاضرة، وما على الناس إلا التكيّف أو… الموت برداً.

لا سعر محدداً للحطب في السوق، «وفي حال وجدت طن حطب بـ 100 دولار فاشكر ربك واعتبر نفسك من المحظوظين» على ما يشير مطّلعون في المجال، علماً بأن «الحطب بيكلّف»، على ما يقول صاحب مؤسسة «مدافئ حرمون» حسام بو ابراهيم، موضحاً أن «ما يُصرف على المازوت لكل فصل الشتاء أقل مما يُنفق على الحطب. كما أن التعامل مع الحطب ليس بالسهولة التي يتوقعها الناس، وخصوصاً لمن سيستخدمونه للتدفئة للمرة الأولى هذه السنة».

 

80% نسبة الزيادة في الطلب على «صوبيات الحطب» هذا العام

 

 

ورغم أن «الحطب لن يكون في متناول الجميع نظراً إلى ارتفاع كلفته بشكل كبير»، يؤكد صاحب «مصنع الشامي الحديث»، محمد شامي، أن الطلب على «صوبيات الحطب» زاد هذا العام بنسبة 80%، فيما لم تتعدّ الزيادة العام الماضي الـ 15%. أما الطلب على «صوبيات المازوت» فـ«قليل جداً، ومن يطلبونها إما خزّنوا المازوت في الأشهر المنصرمة أو أن إمكانياتهم المادية تسمح لهم بشرائه من السوق السوداء».

يشرح الشامي أن سعر صوبيات الحطب يصل إلى 2000 دولار. ويتراوح سعر «القسطل» بين دولارين و9 دولارات بحسب قطره». سبب ارتفاع أسعار الصوبيات المصنّعة محلياً يعود إلى أن «لا شيء محلياً فيها سوى اليد العاملة. فيما كل المواد الأولية التي تدخل في الإنتاج مستوردة. كنا نشتري طن الحديد الأسود بحوالى 800 دولار، وارتفع سعره اليوم الى 1400 دولار. الزيبق كان بـ 900 دولار وأصبح بـ 1600 دولار. أضف إلى ذلك كلفة النقل واضطرارنا إلى شراء المازوت من السوق السوداء». بالتالي، فإن قياس انعكاس هذه الأسعار بحكم تبدّل سعر الصرف يكشف حجم المأساة التي ستحلّ في الأسابيع المقبلة، إذ إن سعر الصوبيا الكبيرة ارتفع من 200 ألف ليرة الى ما لا يقلّ عن 100 دولار.

هذا الفرق الهائل في كلفة الصوبيات بات يدفع كثيرين إلى البحث عن المستعمل، مع أن «الصوبيات المستعملة مفقودة من السوق. فمن كانوا يجدّدون الصوبيا كل عام أصبحوا يحتفظون بها ويعملون على إصلاحها»، بحسب بو ابراهيم.

 

غابات معمّرة تُباد بحثاً عن الحطب

 

 

ارتفاع كلفة المازوت وندرته، إضافة إلى انخفاض القدرة الشرائية ستدفع بكثيرين من الناس إلى قطع الأشجار لتأمين الحطب للتدفئة وهي ظاهرة غير جديدة، لكن يرجح أن تتفاقم بشكل كبير هذا العام، ما ينذر «بكوارث بيئية بدأنا نتلمّسها، ليس فقط في المناطق التي طالتها الحرائق، بل أيضاً في مناطق أخرى حيث يجري قطع الأشجار من جذوعها. هناك غابات معمّرة لا يمكن تعويضها تباد في ظل ضعف القدرات الرقابية والردعية» وفقاً للدكتور جورج متري، مدير برنامج الأراضي والموارد الطبيعية في معهد الدراسات البيئية في جامعة البلمند.

أما من يعتبرون أن حرائق الغابات التي طالت مساحات واسعة تسمح لهم بقطع الأشجار التي احترقت، فيشير متري الى أن «الشجر الذي احترق بالكامل جمّر، وبالتالي لم يعد يصلح للحطب أو للفحم. أما الأشجار السنديانية فتملك قدرة على أن تعيش مجدداً بعد تشحيلها. لذلك يجب حماية الأراضي التي تعرضت لحرائق وحظر أي دخول إليها أو رعي داخلها. وبالتالي يحظر قطع أي أشجار بعد الحرائق إلا بعد إجراء تقييم علمي يحدّد ما يسمح بقطعه». ويلفت الى أنه «كان محظور سابقاً القيام بأي عمليات تشحيل وتفريد في غابات الصنوبر البري، إلا أن قراراً جديداً صدر عن وزارة الزراعة يسمح بالقيام بعمليات التشحيل والتفريد في هذه الغابات لتخفيف خطر الحرائق والاستفادة في الوقت عينه من الخشب. لكن يجب التقدم بطلب الى الوزارة للحصول على ترخيص، ومن هنا أهمية الدور الرقابي للبلديات والمجتمعات المحلية والجمعيات غير الحكومية التي بإمكانها تقديم الدعم اللازم لوزارة الزراعة».