أبدى مرجع ديني كبير استياءه الشديد من تحويل أهم استحقاق دستوري وهو انتخاب رئيس للجمهورية، أعلى منصب في الدولة، إلى مهزلة لا لشيء سوى أن زعماء لبنانيين مرتبطون بخارج لا بل مرتهنون له، ولا قرار حراً لهم في هذا الاستحقاق، بحيث بات السؤال: من يعطل هذا الانتخاب ومن هو المسؤول؟
الواقع انها المرة الأولى بعد انتهاء الوصاية السورية تتعرض فيها الانتخابات الرئاسية للتعطيل كل هذه المدة لأن العماد ميشال عون ينتظر كلمة السيد حسن نصرالله، ونصرالله ينتظر كلمة ايران، وايران تنتظر نتائج محادثات الملف النووي لتقول كلمتها، لذلك تحرص على ان تبقى ورقة الانتخابات الرئاسية في يدها للضغط والمساومة في محادثاتها مع الولايات المتحدة الاميركية، وفي توصلها الى تفاهمات مع السعوديّة ومع غير دولة في المنطقة. ولم تجد إيران لتظل ممسكة بهذه الورقة سوى جعل “حزب الله” يصر على ترشيح العماد عون من دون سواه واعطائه الوقت الكافي لإجراء اتصالاته بكل القوى السياسية الى ان يحين موعد حسم الخلاف حول الملف النووي سلباً أو إيجاباً.
وهكذا استمرت الاتصالات مع الرئيس سعد الحريري ما يقارب السنة وعون يعلّق الآمال على نتائجها الايجابية في تحقيق حلمه المزمن في الوصول الى قصر بعبدا، مع ان كثيرين كانوا يستبعدون موافقة الرئيس الحريري على انتخاب عون رئيساً، ليس لأسباب شخصية إنما لأسباب سياسية. ذلك ان العماد عون ومن معه من قوى 8 آذار في مكان سياسي والحريري ومن معه في مكان آخر، محليا وعربيا واقليميا ودوليا، فكيف لهما ان يلتقيا على سياسة واحدة تحقق وحدة الموقف والهدف؟
ويمكن القول إن الاسباب نفسها تحول دون موافقة الدكتور سمير جعجع على تأييد العماد عون لرئاسة الجمهورية، وان كل ما يحصل من لقاءات واتصالات وتبادل أوراق هو لملء الوقت الضائع بل إضاعة للوقت، الى حين تظهر نتائج المحادثات حول الملف النووي. ومن الآن حتى ذلك الوقت تكون ايران قد أمعنت تدخلا في العراق لتصبح كلمتها هي النافذة فيه، وأمسكت بورقة الحل في اليمن بعدما أحكمت سيطرتها على معظم المناطق فيه واحتلت العاصمة صنعاء، ولا تزال ممسكة بورقة الحل في سوريا، وجعلت الوضع في البحرين غير مستقر، ووضعت لبنان بين خيارين احلاهما مر: إما استمرار الشغور الرئاسي الى اجل غير معروف وابقاء الابواب مفتوحة على فراغ شامل، وإما انتخاب العماد عون رئيساً للجمهورية او من هو على صورته ومثاله ليكون حليفا مخلصا لها ولسياستها في المنطقة كما كانت سوريا تأتي برؤساء للبنان أوفياء لسياستها ومؤيدين بصدق استمرار وصايتها على لبنان تحت مقولة إنها “موقتة وشرعية وضرورية”.
فهل يمكن القول، مع صورة الوضع هذه، ان لا انتخاب لرئيس جمهورية في لبنان إلا عندما توافق ايران على انتخابه ويكون رئيس وفاق وتوافق، وان لا وجود لمثل هذا الرئيس الا من خارج 8 و14 آذار ليكون مؤهلا لتحقيق مصالحة وطنية شاملة وطي صفحة الماضي الاليمة وفتح صفحة جديدة لمستقبل واعد؟ وهذا لا يستطيع تسهيل انتخاب رئيس للبنان اذا كانت تريد اخراجه من صراعات المحاور في المنطقة، وخارج المنطقة، وأيدت تحييده عنها تطبيقا لـ”إعلان بعبدا” او اي اعلان آخر يتم الاتفاق عليه، لأن تركيبة لبنان الدقيقة والحساسة سياسيا ومذهبيا لا يحميها سوى الحياد والا تعرض مصير لبنان للمجهول، وهو ما لفت الى ذلك مسؤول اوروبي لمسؤول لبناني قبل سنتين بقوله له: “إما يكون الحكم في لبنان فيديرالياً مثل سويسرا أو لا يكون”.
وكان نائب الأمين العام للأمم المتحدة يان الياسون قال في حديث صحافي عندما زار لبنان في كانون الأول 2014: “إن اتمام الاستحقاق الرئاسي قيمة مضافة للبنان داخليا ودوليا لأنه يشير بوضوح الى عمل المؤسسات الصحيح”. وتمنى ان يكون الحل الرئاسي “لبنانياً صرفاً، وهو يسهم في توطيد استقرار البلد”. وعبّر عن قلقه من عدم التوصل بعد الى اتفاق حول الملف النووي “لأنه أمر سينعكس ايجاباً على امور عدة، خصوصا على صعيد التعاون الاقليمي”. وشرح السبب الذي يجعل المجتمع الدولي متشبثا باستقرار لبنان وهو قلقه مما يحدث في سوريا، وظهور “داعش”. لذا “نحن نعمل كل ما في وسعنا لكي يبقى لبنان خارج دوامة العنف”. وتطرق الى “اعلان بعبدا” قائلا انه “إعلان مهم جدا لأنه إشارة واضحة الى عدم التدخل الاجنبي في سوريا والدفع في اتجاه حل سياسي عبر التشاور مع جميع القوى الاقليمية وتجميد العمليات العسكرية فيها كلها ووقف التشجيع على المشاركة في القتال من اي جهة”. وتمنى ان يكون الحوار بين “تيار المستقبل” و”حزب الله” “مثمرا وناجحا كي ينهض لبنان في كل المجالات”.