يحمّل الإسرائيليون رئيس سوريا السابق بشار الأسد فوق طاقته وقدراته وإمكاناته.. وكأنهم في مكان ما يريدون منه إطلاق النار على رأسه وإكمال المهمّة التي بدأها في ذلك الآذار من العام 2011 في حق سوريا وأهلها ومؤسساتها وبُناها وعُمرانها.
يقايضونه علناً بين أن يبقى في مكانه ولو كخيال صحراء، أو أن «يخرج» من الإيرانيين! مع أن أفيغدور ليبرمان وغيره في دوائر صنع القرار الإسرائيلي، يعرفون تماماً وبالتفصيل الممل (أم ماذا؟!) كل ما يجري عند الأسد وفي دائرته الأولى، مثلما يعرفون ما يعرفه جميع خلق الله، من أن ذلك المخلوق ضيّع «القرار» في كل شأن سوري، لمصلحة الإيراني من جهة والروسي من جهة أخرى! وأنه في العموميات والتفاصيل صار أسيراً لمَن أنقذه ودفع الأرواح والسلاح والمال في سبيل ذلك! وأنه مُطالب بدفع أثمان لم يعد يملكها في كل حال!
لكن الكلام الإسرائيلي فضّاح ومُحرج، ويمكن عرضه في سياق بيان المحاججة مع كل أهل «ممانعة» آخر زمن: كأن ليبرمان يُطالب الأسد برَدّ دَيْن في رقبته، ويقول بالفم الملآن إن بقاءه في مكانه هو «قرار» إسرائيلي قبل أن يكون قراراً إيرانياً أو روسياً. وأنه لولا ذلك لما انكفأ الأميركيون أولاً! ولما نزل الروسي على النكبة السورية ثانياً! ولما أمكن لمسار هذه النكبة أن يبلغ الذرى التي بلغها، لا على مستوى تحطيم سوريا دولة وكياناً ومؤسسات، واحتمالات عسكرية أو أمنية، ولا على مستوى إعادة «تشكيل الوعي» الجماعي لمصلحة تظهير أولويات معاكسة لسردية النزاع العربي – الإسرائيلي، وتقديم مبرّرات حسّية دموية وقيمية وأخلاقية لذلك!
يعرف الإسرائيليون، مثل غيرهم وأكثر، أن النظام الأسدي لم يعد قادراً على تلبية شروط ومتطلبات وظيفته الأولى بحماية «حدوده» من جهة الجولان المحتلّ! والمحافظة على الهدوء الجليدي الذي ميّز مناخها منذ الحرب الأخيرة في العام 1973، والذي سمح لتل أبيب بإكمال مقوّمات السيطرة على تلك المرتفعات، بهدوء ورويّة وعلى البارد، بدءاً من قوننة الضمّ أيام مناحيم بيغن وصولاً إلى إنشاء بنى استثمارية قصيرة وبعيدة المدى، وبعضها، مثل صناعة النبيذ، صارت له شهرة عالمية!
ويعرفون أكثر، بأن بقايا ذلك النظام استنفدت كل طاقاتها ومخزونها في حرب الحياة أو الموت التي خاضتها في الداخل السوري. وأن مساهماتها الأمنية والاستخباراتية لم تعد ذات قيمة لا تُعوَّض. وأن الخيارات التي بقيت أمامها ضاقت إلى حدود التلاشي. وأن الحبل الإيراني المشدود حول الرقبة الطويلة للرئيس السابق يمنعه من الاستطراد على كيفه! ويلجمه عن التعبير عن مكنوناته الفعلية، والتي هي في الخلاصة التي يؤمن بها داعموه قبل غيرهم، استعداده التام لفعل أي شيء وكل شيء من أجل ديمومة بقائه! ولو عادَ الأمر إليه في هذا، لبَاعَ الإيرانيين بالجملة والمفرّق لأول مشترٍ جدّي وموثوق!
.. ومع ذلك يطالبونه بالمستحيل! وهو ما يدفع إلى الاستنتاج المعقول بأنهم «يخاطبون» الإيرانيين من خلاله! ويعرضون عليهم «مقايضة» غير مباشرة وتتخطّى الوساطة الروسية المستحيلة: تصفية النفوذ العسكري والميليشيوي مقابل بقاء النفوذ السياسي ولو على الشكل الكاريكاتيري الأسدي الموجود! أي نصف هزيمة وليس هزيمة تامّة! وبما يحفظ الشكليات والبهرجات والشعارات التي تحرص عليها قيادة طهران، وتسمح لها بصون قاموس «الإنجازات» و«الانتصارات» الإلهية، وتكرار المزايدات على عموم العرب والمسلمين!
الضربة العسكرية الإسرائيلية الأخيرة للمواقع الإيرانية، والتي يقول قادة تل أبيب إنها كانت «شاملة»، كشفت السقف الذي لا تخرقه إيران! وعرّى إدّعاءاتها إلى حدود مفاجئة!.. إلى حدود نفي المسؤولية عن إطلاق الصواريخ باتجاه الجولان المحتل! وإلى القول علناً بأنها «لا ترغب» في تصعيد التوتر في عموم المنطقة! ولا تريد بالتأكيد «مواجهة شاملة» ومباشرة! وضمن هذه القياسات يصبح المعروض عليها، من خلال الكلام مع الأسد، نصف هزيمة، هذا إذا افترضنا أن حرب العام 1967 كانت «نكسة»!