بعيداً عمن وجهت اليه الدعوة وعمن لم يتلق دعوة، وبعيداً عمن حضر وعمّن غاب وعمّن تمّثل بموفد، على اهمية ورمزية الدعوات والحضور والغياب (…) بعيداً عن ذلك كله تبقى الاهمية في ما تحدث به الرئيس سعد الحريري صاحب الكلمة الوحيدة التي ألقيت امس، في البيال، احياءً للذكرى الحادية عشرة لاستشهاد الرئيس المرحوم رفيق الحريري الذي طبع مرحلةً غير قصيرة من تاريخ لبنان الاخير بطابعه المميّز الذي لا يزال لزلزال اغتياله المدوّي الكثير من التداعيات الهائلة.
لقد اتسمت الكلمة بصراحة تامة، صحيح انه كان فيها ترداد للمواقف المعلنة، الا ان تعامله مع »اللحظة الرئاسية »كان في منتهى الصراحة والشجاعة، وفي تقديرنا ان هذه المسألة بالذات هي التي ستكون مدار التعليقات والارتدادات، وستبقى »حديث الساعة« طويلاً جداً.
لقد كان في تقدير الكثيرين من الصحافيين والاعلاميين وكتبة الافتتاحيات والمقالات وحتى المانشاتات ان سعد الحريري لن يحضر، وانه سيلقي خطابه من خارج لبنان عبر شاشة عملاقة في قاعة الاحتفال، وانه في مختلف الحالات لن يتناول موضوع مبادرته الرئاسية على الاطلاق.
والواقع جاء ليكذّب تلك كلها فاذا بالرجل يحضر، واذا به يتحدث مباشرة امام الحشد الحاضر، واذا به يتحدث في الاستحقاق الرئاسي بإسهاب وبسرد واقعي وبوضع النقط على الحروف.
طبعاً هذا الكلام لن يرضي اطرافاً بعينها في 14 آذار لما تضمنه من موقف ورأي مباشر. والمعلومات التي تسرّبت ليل امس اشارت الى هذه النقطة (…) ولعل اكثر ما لفت في كلام رئيس الحكومة الاسبق فيها هو اقرار الشيخ سعد بأن المبادرة الباريسية بترشيح فرنجية ادت الى انسحاب الدكتور سمير جعجع من المعركة الرئاسية. واما كلامه عن »ديموقراطية المقاطعة« فهذا الشعار رفعه في لقاءات بكركي النائب سليمان فرنجية، واصرّ عليه كما اظهرت محاضر لقاءات الصرح البطريركي بين »الاربعة الاقوياء« او ممثليهم، مشدداً على ان من حقه عدم »النزول« الى جلسات الانتخاب الرئاسي. ويشهد لسعد الحريري قوله، امس، انه سيكون اول المهنئين لمن يفوز بين المرشحين الثلاثة (عون وفرنجية وحلو)… وكم كان واضحاً عندما قال بعدما رحب بمصالحة عون وجعجع: »بس يا حكيم لو صارت من زمان قديش كنت وفرّت ع المسيحيين وع لبنان«.
ولفت خلال تعداده اسماء شهداء 14 آذار ترداده اسم الشهيد اللواء وسام الحسن مرتين متتاليتين… وكانت تلك اشارة واضحة الى جلسة مجلس الوزراء الاخيرة وما حفلت به (…).
والشيخ سعد اعلن ترشيح سليمان فرنجية »رسميا« من خلال اعلامه، بعد كلامه على مبادرة باريس: نحن عند التزامنا، وعندما نعطي التزاماً نذهب به الى الآخر«. والذين توقعوا منه كلاماً متردداً خسروا الرهان عندما حسم: »ان للتضحية خطوطاً حمراً نعرف تماماً متى نرسمها«.
والسؤال يطرح ذاته: هل بدأ سعد الحريري يرسم الخطوط الحمراء؟
وفي تقديرنا ان الخط الاحمر المطلوب رسمه هو كيفية التعامل مع التحديات التي تواجه وحدة 14 آذار.