إذا كانت جميع اللقاءات مع سماحة السيد حسن نصرالله تزخر بالفائدة والعبرة والأمل، فإنه كان لي شرف مواكبة عدد من المحطات المؤثرة في تاريخ الصراع مع العدو، وكان أقربها إليّ ما كان في لحظات الحروب مع لبنان، حيث «السيد» قائد تاريخي يؤثر في مجرى الأحداث، بما يعيد للأمة ألقها وثقتها بنفسها.
من هذه المحطات ما كان في حرب نيسان 1996، حيث كنت برفقة الأخوين بشارة مرهج ومعن بشور، وكان «السيد» عائداً لتوه من دمشق.
تأخر «السيد» عن الموعد قليلاً، وإذ به يدخل معتذراً بحرارة ونبل. كان اللقاء حميماً وتحدث فيه عن بوادر انتصار سيكون مفتاح المرحلة المقبلة للنصر على العدو.
ومن هذه المحطات، ما كان سنة 2005، وهي مناسبة جمعت بعض رجال الدين من السنة والشيعة وكنت أنا الوحيد غير المعمم في الجلسة.
تحدث «السيد» متحسراً قائلاً: «نحن نعيش أزمة في المقاومة، لأن شعارنا الأساسي هو زحفاً زحفاً نحو القدس»، ليضيف متسائلاً: «هل نمارس هذا الزحف بعد التحرير»؟.
وقد صودف جلوسي الى جانبه، فوضع يده فوق يدي قائلاً: «إذا سألتموني هل أنت قادر على الزحف نحو القدس أقول لكم بكل تأكيد نعم، إنما ما يمنعني من ذلك في هذه الأيام هو تعقيدات الوضع اللبناني».
قالها «السيد» إيماءً وإيحاءً في مناسبات علنية متعددة، لكن معزّته للأستاذ طلال سلمان بعد سؤاله عن الشيب الذي خط رأسه، جعلته يقول علناً لـ «السفير» في ذكرى التحرير سنة 2015، إن هذا الشيب ليس بسبب الصراع مع العدو، بل بسبب الوضع الداخلي في لبنان.
ومن هذه المحطات ما كان أيضاً في سنة 2005، حيث روى «السيد» قصة المبعوثين والمندوبين الأوروبيين المنتدبين من الإدارة الأميركية سنة 2003 لمفاوضته على سلاح المقاومة. قال «السيد»: «جاءني وفد أوروبي يريد شراء سلاح المقاومة بمناصب وزارية سيادية في لبنان مقابل مبالغ مالية «لإنماء الجنوب»، على حد زعمهم، تصل قيمتها الى مليار دولار. كان جوابي يومها (السيد) «إن هذا العرض هو أقل من العرض السابق الذي تقدمتم به قبل التحرير، والذي يقوم على تعهد بالانسحاب الإسرائيلي من لبنان مع وزارات سيادية ومبالغ تفوق ملياري دولار، مع تعهد جازم بعدم الاعتداء على لبنان وعدم انتهاك سيادته براً وجواً وبحراً».
ذهب الوفد، ليعود بعد عدة أسابيع عارضاً نفس التعهدات السابقة مع وعد بمبلغ عشرة مليارات دولار، تصرف بإشراف «السيد» لـ«إنماء الجنوب»، وبتفويضه بإدارة الوضع السياسي في لبنان.
كان جواب «السيد» للموفدين: «هل أفهم من عرضكم هذا أنكم بمبلغ عشرة مليارات دولار تطلبون مني التخلي عن الصلاة»؟
وقبل «حرب تموز» بشهرين تفضّل سماحته باستقبال وفد «منبر الوحدة الوطنية» برئاسة الرئيس سليم الحص.
كان اللقاء حميماً، وكالعادة أكد سماحته اعتزازه بذكرى التحرير وبدور الرئيس الحص حين كان رئيساً للوزراء في ذلك الحين.
خرجنا من الاجتماع، وانتظرنا «السيد» مودعاً على عتبة الدرج المفضي من الطابق الاول حتى الطابق الأرضي، حتى نزول آخر واحد منا. تعمدت أن أكون الأخير في المغادرين لأبديَ له ملاحظة وتمنياً. فقلت له: «يا سماحة السيد خلال شهرين تسنى لي أن أتشرف بلقائك ثلاث مرات في المكان نفسه، وأراقب استقبالاتك على التلفاز وفي المكان نفسه أيضاً. أأنا من يذكرّك بوجوب الحذر من غدر العدو الصهيوني؟». ابتسم «السيد» وقال «الله اللي بيسلم». قلت له: «الله يحميك»، وعانقته كإبنه وأنا أكبره بعشر سنوات، وعانقني كأب، برغم فارق العمر بيننا وانصرفت.
يوم تكرّم سماحته باستحضاري، جريحاً، لإلقاء كلمة تخليداً لشهداء «أسطول الحرية» قال كلمة هي مفتاح الانتصار: «ثقوا بأمتكم فهي خير أمة أخرجت للناس».
(&) رئيس لجنة المبادرة لكسر الحصار عن غزة