على رغم انه لم يكن متوقعا لجلسة 8 شباط المحددة لانتخاب رئيس جديد للجمهورية ان تختلف عن سابقاتها من الجلسات الـ34 التي لم تنجح في تأمين النصاب لانتخاب الرئيس العتيد نظرا الى التمهيد الذي استبقها بأن الموضوع الرئاسي عاد الى الثلاجة او ان الامور لم تنضج بعد مما افسح امام اعادة ضخ الحياة في عمل الحكومة، الا انها حظيت بأهمية سياسية واعلامية بناء على التطورات التي سبقتها لا سيما منها اعلان معراب ووجود مرشحين من قوى 8 آذار حيث نجح خصوم هذه القوى في رمي مسؤولية التعطيل في خانتها من دون منازع. وترسم مصادر معنية صورة المشهد كما بات عليه راهنا بالاتي:
ان النائب سليمان فرنجيه مهم جدا للرئيس السوري بشار الاسد ولا احد يمكن ان يضاهيه لديه. لكن النائب فرنجيه ليس اهم من “حزب الله” بالنسبة الى الاسد في الوقت الراهن وهو الذي مده اساسا بأسباب البقاء والاستمرار ولا يزال يدعمه.
ان النائب فرنجيه هو حليف للحزب ولكنه ليس اهم من العماد عون بالنسبة اليه في المرحلة الراهنة انطلاقا من التغطية المسيحية المهمة التي يوفرها الاخير للحزب، في حين لا يستطيع ان يوفر فرنجيه تغطية شعبية مماثلة حتى مع وصوله رئيسا اذا كانت الارض مسيحيا معارضة او غير داعمة له في حال لم يكن عون في جو التراجع عن ترشحه للرئاسة.
ان ترشيح فرنجيه احرج حلفاء الحزب ولا سيما ايران بعد عودة التوتر بينها وبين المملكة السعودية. فوفق معلومات مراجع رسمية فان نافذة امل ظهرت فعلا في شهر تشرين الثاني الماضي بامكان النفاد بانتخاب رئيس للجمهورية لولا ان العلاقات عادت فساءت بين ايران والمملكة على خلفية اعدام الشيخ نمر النمر واحراق السفارة السعودية في طهران، وعلى خلفية استعجال داخلي ادى الى احراق طبخة الرئاسة خصوصا مع اهمال جانب مهم منها وهو الذي يتصل بطرفين مسيحيين جمعتهما “المصيبة” بترشيح فرنجيه فالتقيا على تصليب موقفهما. لم يقل الايرانيون مرة صراحة بأنهم يسيرون بالانتخابات الرئاسية لكن فيما سرت انباء في بيروت عن لقاء عقد بين وزيري الخارجية الايراني والسعودي محمد جواد ظريف وعادل الجبير على هامش اجتماع فيينا حول سوريا، لم ينف مساعد وزير الخارجية الايراني أمير حسين عبد اللهيان الذي زار بيروت انذاك هذا الامر بل قال لهذه المراجع ان الجانبين الايراني والسعودي قطعا شوطا وتم البدء في تأليف لجان امنية وسياسية لبحث الخلافات الثنائية وتحدث عبد اللهيان عن اهتمام السعودية بسبب التأخير متحدثا عن تفاصيل في هذا الاطار. لكنه اضاف يومها بأن الخلافات السعودية الايرانية كثيرة وان الجانبين اتفقا على وضع لبنان جانبا والاستعداد لدعمه ومساعدته. وهي عبارة فهمتها هذه المراجع يومها بمساعدة لبنان على الوقوف على رجليه اي انجاز الانتخابات الرئاسية بحيث فهم تحرك النائب فرنجيه ولقائه الرئيس سعد الحريري انه لم يأت من فراغ بل اعتمادا على ضوء اخضر في هذا الاطار. وزاد صدقية هذه التطورات انذاك اطلالة لوزير الخارجية العماني في ما يتعلق بلعب عمان دورا على خط تخفيف التوتر بين السعودية وايران وابلاغ عبد اللهيان الذين التقاهم في بيروت انه يعتزم التوجه الى عمان حيث يساعد المسؤولون العمانيون في مسألة اللقاءات مع السعوديين. كانت هناك نية فعلية لاتاحة المجال للبنان ان يتنفس تبعا للتقارب بين الجانبين الاقليميين، وحين انتهى التقارب توقفت المسألة الرئاسية في لبنان.
في الاونة الاخيرة سمع كلام نقل عن مسؤولين ايرانيين يوحي بذرائع جديدة لم تكن تستعين بها ايران سابقا في معرض الدفاع عن خيار الحزب في دعم عون. وابرز هذه الذرائع يتمثل في ضرورة ان يكون الرئيس يمتلك تجربة المؤسسات في اشارة الى الزعيم العوني الاتي من مؤسسة الجيش بعدما عاد موضوع الرئاسة الى المربع الاول في ضوء التوتر السعودي الايراني من جهة وفي ضوء اعطاء السعودية الضوء الاخضر لفتح حوار مع النائب فرنجيه واحتمال دعمه للرئاسة كما في ظل اولويات اخرى لدول المنطقة مع تطورات ميدانية في بعض الدول التي تحولت ساحات حرب لا سيما في سوريا. وهذان الامران لاحظ ديبلوماسيون معنيون انهما دفعا بلبنان بعيدا من واجهة الاهتمامات المباشرة لديها حتى اشعار اخر. ما اوقع جميع الافرقاء في مأزق الانتظار المفتوح على تطورات قد تساهم في تبديل المشهد الرئاسي كليا حين يحين اوانه. ذلك علما ان هناك عاملا اضافيا قد يكون ساهم في تخفيف الحماسة الاقليمية وربما السعودية تحديدا نتيجة ما يعتبره كثيرون الانقلاب المسيحي الذي خربط التوازن السياسي الذي كان قائما عبر اصطفافي 8 و14 آذار والحسابات من اجل اجراء الانتخابات بحيث قد تكون السعودية وربما اكثر من ايران حذرة في مقاربة الملف الرئاسي اللبناني في المدى المنظور. وهذا العامل لا يجوز الاستهانة به لان هذه الدول لا تتقبل بسهولة عدم تقبل مساعدتها متى قدمتها خصوصا متى كان العجز اللبناني طامحا الى هذه المساعدة. وهؤلاء الديبلوماسيون لا يجدون مستغربا ان الدول الاقليمية قد لا تود ان تسمع بلبنان او انتخاباته الرئاسية قريبا ما قد يدفع الافرقاء اللبنانيين اما الى انجاز انتخاباتهم وحدهم اذا استطاعوا الى ذلك سبيلا او ان يهتموا بتفعيل عمل الحكومة على الاقل لان الخارج ادار اذنه الصماء لضغوط لبنانية لا تتعدى مفاعيل القنبلة الصوتية !