تتجه الانظار اليوم نحو التنقيب عن النفط والوعود المرتبطة بهذا النشاط، بحيث أصبح استخراج النفط أملاً كبيراً للنهوض باقتصادنا المتعثّر.
نعم يفرحنا أن يكون لدينا إنتاج نفطي وهذا جيد ولكنه ليس بضروري لنهضة اقتصادية، نحن بحاجة الى خلقية جديدة مبنية كما كررت مراراً على الشفافية المطلقة وعلى تغيير العقليات، نستطيع ان نطور الاقتصاد بطرق متعددة لأنّ لدينا إمكانيات كثيرة، ولكن يجب استثمار هذه الامكانيات والتخلي عن قناعات وممارسات تعرقل تطور الاقتصاد.
علينا البدء كما قلنا ببناء عقليات جديدة والقيام بعدة تغييرات جذرية للانتقال الى الاقتصاد المنتج، وسأخصّص هذا المقال لنقطة واحدة سيطرت على عقليتنا وهي اننا نصنّف الاعمال على أنها شريفة وغير شريفة، وسنشرح في مقالنا مدى تأثير ذلك على بعض الأوجه الاقتصادية.
فنحن ننظر الى بعض الاعمال، مثل تنظيف الطرق والاعمال اليدوية في الزراعة وفي البناء او في البيوت، على أنها غير شريفة ونسعى الى اعطائها لوافدين من بلدان أخرى وهذا خطأ يكلفنا الكثير، في الوقت الذي يعاني فيه لبنان من نسبة بطالة مرتفعة.
وذلك يؤدي الى دفع أموال ليست بقليلة لأشخاص يرسلون الجزء الاكبر منها الى الخارج، امّا لو كانت هذه الاعمال بيد لبنانيين فالمال الذي يدفع لهم يعود ويصرف في لبنان، اي انه لا يخرج من اقتصادنا.
تشير الاحصاءات بحسب وزارة العمل الى انّ متوسط عدد العاملين والعاملات الأجانب في لبنان العام 2017 يتراوح بين 250,000 الى 300,000 أجنبي يعملون بشكل أساسي في قطاعات البناء والزراعة والتنظيف، وهذه الارقام للعمالة الشرعية اي الذين يلتزمون قوانين الاقامة، مع العلم انّ هناك عدداً كبيراً من العمالة غير الشرعية ايضاً، بالاضافة الى العمالة السورية.
كل عمل منتج هو عمل شريف، صحيح انّ هناك أعمالاً تحتاج قدرات علمية او قدرات جسدية او دراسات طويلة ليست بمتناول كل شخص، ولكن المطلوب من الجميع ان يستغل القدرات التي يملكها بأحسن طريقة ممكنة ولو كانت محدودة، وهذا ليس له علاقة بالشرف.
من ناحية أخرى علينا ان نطوّر عقليتنا تجاه الذين يعملون في هذه الاعمال، المطلوب من صاحب العمل او رب العمل وكل شخص احترام هؤلاء وإعطاءهم حقوقهم الكاملة وخلق جو يشجعهم على ان يقوموا بهذه الاعمال من دون اي شعور بالنقص.
أكرّر، انّ العمل لا يحدد شرف الانسان، فالعامل الشريف هو الذي يعطي عمله الجهد والمثابرة والامانة الكاملة.
هذه خطوة من بين خطوات أخرى، ولكنها تخلق فرقاً مهماً، فمن ناحية توفّر فرَص عمل منتجة إضافية نحن بأمسّ الحاجة اليها، كما انها تساهم في تخفيض نسبة تحويل الأموال الى الخارج وضَخ أموال اضافية في الدورة الاقتصادية اللبنانية.
أخيراً، وأتمنى ألّا أزعج القارئ بالمطلب الذي أردده دائماً ليصل الى مسمع كل مواطن، أطلب من كل فرد في المجتمع اللبناني أن يساند إقرار وتطبيق قانون الشفافية المطلقة، لأنه الباب الاكبر لاستعادة صحتنا الاقتصادية والاجتماعية.