كان من الطبيعي أن يعيد وزير الداخلية نهاد المشنوق تذكير من كانوا يفضّلون تأجيل الانتخابات البلدية والاختيارية، بأنّه كان جدياً في استعداده للاستحقاق وأنه لم يكن مستعداً للمساومة على دم «صناديق البلديات»، لا بحجة التعثّر الأمني ولا بفتوى دستورية تتيح له التمديد للمجالس المحلية.
هكذا انطلقت المرحلة الأولى، التي هي بنظر المعنيين الأكثر دقة على المستوى الأمني كونها في البقاع، ومع ذلك انتهى يوم الأحد من دون إشكالات أمنية تذكر، وهي نقطة بيضاء تسجّل للقوى الأمنية التي تمكنت من ضبط الوضع وإشاعة أجواء طمأنينة لدى الناخبين، لا بل يفاخر المشنوق بأنه كان شاهداً على لوحة عرسال الديموقراطية والتي لا بدّ من التوقف عندها.
يؤكد عارفوه أنّه حريص على تقديم «إنجاز» الانتخابات على طبق من ذهب، خصوصاً أنّ الأنظار ترصد كل حركة سيشهدها مسرح البلديات، ليس من الداخل فقط، بل من الخارج أيضاً. من الطبيعي أن يعمل رجل الصنائع جاهداً كي لا يفشل في امتحان الاستحقاق، أو أن توجه اليه أي تهمة بالتقصير أو بالانحياز الى فريقه السياسي في لعبة التنافس الديموقراطية.
هكذا، كان يكفي أن تتراجع لائحة «بيروت مدينتي» عن اتهامات كانت بدأت تخرج من ماكينتها الانتخابية حول تلاعب بالأصوات وتزوير محتمل للنتائج في معركة بيروت البلدية، كي يأخذ الرجل حقه وينفض عنه غبار تشويه العملية الانتخابية.
ليس هذا فقط، فإلى جانب بيانات المطالبة بإجراء الاستحقاق من جانب البعثات الديبلوماسية الغربية التي بدت معنية بحصول الانتخابات في موعدها مهما حصل، كان هناك حرص من هذه البعثات على مراقبة الاستحقاق بتفاصيله لدرجة التجوّل داخل أقلام اقتراع للتحقق من أداء الطاقم الإداري كما الأمني، كما يؤكد المطلعون، ما يدل ّعلى حرص هذه الدول على رصد كل شاردة وواردة قد تشهدها صناديق البلديات.
ولهذا بدا المشنوق مهتماً بإجراء جولة تقييم تفصيلية للمحطة الأولى للانتخابات، وذلك بعد ساعات قليلة من إقفال صناديق الاقتراع، بغية الإضاءة على مكامن الخلل ومعالجة الثغرات التي واجهت الوزارة في اليوم الأول من الاستحقاق.
ولهذا كان هناك إصرار في الصنائع على الاطلاع على معظم التقارير التقييمية التي فنّدت الانتخابات بعيوبها وحسناتها التي وضعت من جانب منظمات مدنية وحتى دولية، وعلى تقارير لجان القيد التي طُلبت على وجه السرعة، لاستخلاص الدروس والعبر منها.
وبالفعل، خلصت خلية العمل التي أنشئت لهذا الغرض الى أنّ هناك جملة تحديات يفترض التصدي ومعالجتها منعاً لتكرارها يوم الأحد المقبل ليكون الاستحقاق «كاملاً» خالياً من الشوائب، عملاً بتوصيات وزير الداخلية الذي شدد أمام الخلية على ضرورة «تنقيح» الشوائب في أسرع وقت ممكن، كما دعا المحافظين خلال الاجتماع به الى تقديم عملية انتخابية نموذجية، اذا كان ممكناً.
ويتضح أنّ أبرز تلك العيوب هو تدني ثقافة الانتخابات نتيجة تغلّب منطق التمديد الذي تعرض له مجلس النواب في جولتين متتاليتين، ما جعل المسافة الزمنية بين آخر استحقاق دستوري تشهده البلاد وهذا الذي يحصل راهناً، تقارب الست سنوات، الأمر الذي انعكس ضعفاً في أداء بعض الطاقم الإداري، لا سيما لدى العديد من رؤساء الأقلام الذين يفتقدون الخبرة الكافية.
وهذا الأمر ستحاول وزارة الداخلية معالجته في القريب العاجل من خلال تحضير حملة توجيهية تثقيفية لإعادة مستوى الثقافة الانتخابية لدى اللبنانيين الى سابق عهدها.
وفي إطار سعيه الى معالجة مكامن الخلل، طلب المشنوق من غرفة العمليات الأمنية في الوزارة التشدد في مكافحة عمليات شراء الأصوات وعدم التهاون في أي إخبار من هذا النوع. كما طلب اتخاذ كل الإجراءات اللازمة لتسهيل مشاركة ذوي الاحتياجات الخاصة في العملية الانتخابية لتفادي ما حصل في المرحلة الأولى.
الى ذلك، طلب وزير الداخلية أيضاً رفع عدد لجان القيد لتسهيل عمليات فرز الأصوات بعد إقفال صناديق الاقتراع، وذلك من باب السعي الى تسريع إخراج النتائج وعرضها أمام الرأي العام.