IMLebanon

العمل ممكن رغم المصاعب الدستورية

كلّف تمام صائب سلام بتشكيل حكومة، هدفها تحريك الشأن العام، وتحسين فرص العمل، وزيادة معدل النمو، وإن امكن ضبط تصاعد معدل المديونية الى ادنى من معدل النمو.

التكليف كان في تاريخ 6 نيسان 2013، وجهد الرئيس سلام وجاهد لتشكيل حكومة تحوز الثقة المطلوبة قبل انتهاء ولاية الرئيس ميشال سليمان في نيسان 2014. وعلى رغم الترحيب الشعبي الواضح بتكليف تمام سلام تشكيل الحكومة، حالت التعقيدات السياسية دون اكتمال صورتها حتى 15 شباط 2014، وحقق رئيسها اعجوبة في تجاوز موضوع الثلث المعطل، كما استطاع ان يعهد في وزارة الداخلية الى نهاد المشنوق السياسي المتشدد الذي ينتمي الى 14 آذار، وفي وزارة العدل الى اشرف ريفي، ولكلتا الوزارتين تفاعل رئيسي مع مسيرة المحكمة الدولية والتطورات الامنية التي كانت تنذر بحصول تفجيرات مذهبية.

بعد مغادرة ميشال سليمان القصر الجمهوري الى منزله العامر في اليرزة في تاريخ انتهاء ولايته، بات هنالك شعور بتفريغ السلطة من القدرة على العمل والانجاز، ذلك ان كل مشروع قانون يستوجب توقيع رئاسة الجمهورية وكذلك كل مشروع تنفيذ على نطاق لبنان فضلا عن كل تعيينات الفئة الاولى، وكان التزام مجلس النواب التفسير الضيق لدستور الطائف الا وهو ان مجلس الوزراء مجتمعاً ومتفقاً بجميع اعضائه يقوم مقام رئاسة الجمهورية.

بعد تفريغ موقع الرئاسة ظهر الحكم وكأنه معلق في الهواء يسعى الى التنفس من اجل الاستمرار من غير ان تتاح لأهله فرص الانجاز، وتكاثرت المطالبات بانتخاب الرئيس، وتعاظمت مصاعب انجاز العملية، وصار حديث بعض المرشحين يربط هذا الانجاز بتوافق اميركي-ايراني على الشأن النووي ومباركة سعودية لاختيار مرشح يتوافق عليه الاطراف الثلاثة، وبالطبع يحبذ انتخابه اللبنانيون، فهؤلاء لا يزالون وحتى تاريخه اهل البلد.

المشاريع الاقتصادية والاجتماعية المهمة علقت في انتظار الفرج، فسلسلة الرتب والرواتب تنتظر انتهاء سلسلة اللهو السياسي، ومشروع تطوير خدمات الكهرباء الذي وضعه الوزير جبران باسيل في حزيران 2010 بدأ العمل على انجاز مشروع منه، يضيف طاقة 470 ميغاوات في منطقة نهر البارد ومن ثم توقف المشروع لخلافات على المواصفات والتكاليف. ومشروع العناية الصحية للمسنين صار منسياً، وقانون حماية الغذاء للبنانيين انجزته حديثا اللجنة النيابية، وتطبيقه عملياً ينتظر اقراره في مجلس النواب، كما ينتظر توافر اجهزة التنفيذ والتحقق من صحة المواصفات. والمشكلات الاقتصادية والانسانية والامنية للاجئين تتآكل القدرات اللبنانية، والاعانات الدولية غير وافية.

في هذا المناخ، وقبل احتلال اليأس نفوس اللبنانيين، تبدت خطوات شجاعة من اربعة وزراء ارادوا ان يثبتوا ان الدولة لم تتقاعد عن هموم مواطنيها وحسناً فعلوا.

المبادر الاول كان الوزير وائل ابو فاعور الذي عمد الى خفض اسعار رزمة من الادوية وكشف ممارسات طبية تشمل تقارير مزورة ومحضرة غب الطلب، ومن بعد تصدى لمخالفات بعض المستشفيات وخصوصا في مجال اصدار الفواتير، وكذلك تفقد فريقه المواصفات المطلوب توافرها في المستشفيات فأقفل بعضها حماية لصحة المواطنين من جهة ولقدراتهم المالية المتضائلة.

وانتقل في ما بعد الى التأكد من صحة المواد الغذائية التي تقدم في المطاعم، وظهر للمفتشين عدد كبير من المخالفات. وتفقد الوزير مستوردات القمح، واللحوم، وصلاحيتها للاستعمال، فوجد مخالفات فادحة، دفعته الى منع اخراج كميات من القمح والسكر من اهراءات مهترئة وقذرة. وتكفي الاشارة الى اكتشاف كمية كبيرة من القريدس، مستوردة منذ عام 2013 وغير مرخص لها، للتأكد من صلاحيتها واثمانها، وكان لوزير المال دور اساسي في هذا الاكتشاف.

لقد انتقد الوزير ابو فاعور بحجة أنه يسعى الى تلميع صورة الحزب التقدمي الاشتراكي الذي ينتمي الى عضويته، وحبذا لو كان الامر كذلك لشعرنا بان لدى الاحزاب برامج للعناية باللبنانيين في معيشتهم ومستقبلهم، وعسى ان يكون نشاط الوزير ابو فاعور معبراً عن تطلعات حزبه ليكون هنالك درس واضح لبقية الاحزاب والتيارات فنشهد حينئذٍ، على رغم غياب الانتخابات قسراً، مظاهر حقيقية لديموقراطية التمثيل الرسمي لهموم المواطنين.

وائل أبو فاعور اخترق جدار الصمت عن المآسي وحفز زملاء له على الفعل والاقدام وقد شهدنا مبادرات من ثلاثة وزراء آخرين، كل مبادرة منها لها تأثير على الحياة الاقتصادية والاجتماعية واطمئنان المواطنين.

الوزير نهاد المشنوق اقدم على خطوات شجاعة عززت التضامن الوطني، سواء في موقفه من محاولة تفجير السفارة الايرانية، او تحقيقه اكتشافات الغرض منها بث الذعر والصراع المذهبي بين المواطنين، وآخر الانجازات كان تحقيق عزل السجناء المتعاطفين والمتفاعلين مع “جبهة النصرة”، وحتى “داعش”، بحيث اصبح على الفريقين المتطرفين احتساب مفاعيل رد الفعل لدى الحكم في حال اقدامهم على تصفية مجندين لديهم. ومنهجية نهاد المشنوق قد تستحضر انتقادات حول الافراط في استعمال الضبط، لكنه استطاع تأمين مقدار من الطمأنينة حيال الاجرام العبثي، افاد في تفعيل التعاون بين المواطنين ووزارة الداخلية.

علي حسن خليل، وزير المال، قام بدوره بخطوات غير مسبوقة، فهو احال 55 موظفاً في الدوائر العقارية ودوائر المساحة على التحقيق، وكشف مستوردات فاسدة وباشر التحقق من شرعية بيع بعض العقارات التي يملكها القطاع العام، كما يعمل مع فريقه على استكشاف الافادة غير الشرعية من مساحات بعشرات الملايين من الامتار تعتبر مشاعاً وقد لا تكون كذلك، كما قد يكون استعمالها على وجه انفع للمصلحة العامة من الاستعمالات التي تفشت في ارجائها على أيدي المتسلطين.

وزير التربية، الياس بو صعب، اطل على الحياة السياسية من موقع تربوي متقدم، فهو مؤسس مع رفاق له جامعة في دبي اكتسبت موقعاً مميزاً، وحينما وفد الى لبنان لتولي وزارة التربية كان وجهاً جديداً على المجتمع السياسي، وفي اول يوم لممارسته عمله الوزاري، اعلن انه مع مطالب المعلمين وسوف يدرس سبل تحقيقها.

وحينما واجه الوزير الشاب تحرك المعلمين بالامتناع عن تصحيح الامتحانات، الامر الذي كان يعطل على الوف الطلاب الانتساب الى الجامعات، اتخذ خطوة شجاعة بتخريج من كانت نسب انجازهم مقبولة حسب الاعراف المتفق عليها وهو كان من فئة الطلاب الذين استفادوا من معاملة كهذه في تاريخ انجازه دروس البكالوريا عندما كانت الامتحانات معطلة لاسباب امنية.

وقد أبدى في الاشهر الاخيرة تفهماً لأوضاع المعلمين كما التفت الى ضرورات تشذيب الجهاز التعليمي بحيث تتوافر مستويات افضل للتلامذة، وعلى ايدي اساتذة اكفاء ومحترفين.

ان مناهج الوزراء الاربعة توفر للبنانيين فسحة امل في ان مأكولاتهم ستكون صحية، والعناية الصحية اقل كلفة وافضل نوعية، كما الخوف من اعمال الخطف والتعديات والتفجيرات انحسر الى حد بعيد، ومخالفات المعاملات العقارية في طريق الانحسار، وتحسن مستويات التعليم على الطريق الصحيح.

لعل حكومة تمام سلام، بفضل تجرده المطلق عن المحسوبية والزبائنية وافساحه في مجال الانجاز لوزرائه، تحقق اكثر من الحكومة السابقة التي كانت عانت النظرة الى نجيب ميقاتي وكأنه حليف لـ8 آذار، ونظرة هذا الفريق اليه على انه نصير المحكمة الدولية و14 آذار فكان عمله حجرا بين شاقوفين.