سوق سوداء لتأشيرات العمل إلى السعودية
“السلام عليكم، يوجد لدينا تأشيرات عمل الى المملكة العربية السعودية. جميع المهن وبالتقسيط (وليس لدينا عمل فقط تأشيرة عمل). دفعة أولى 4600 ريال والباقي تقسيط. والسعر حسب المهنة المطلوبة”. رسالة وصلتنا البارحة من شاب لبناني، من المعارف، يعيش في المملكة العربية السعودية. فماذا يعني وجود تأشيرات بلا عمل؟ وهل يمكن لأي شاب يحلم بأن يسافر ويعمل ويجني المال ويعيش أن يشتري واحدة فتتحقق أحلامه؟ تفاصيل قد تهمّ كثيراً كثيراً من الشباب.
هو أحد اللبنانيين، إسمه محمد ماضي، انتقل الى المملكة العربية السعودية في العام 1993، وكان لا يزال في بدايات عشريناته، وها هو اليوم، بعد ثلاثة عقود، يراقب من هناك، من على مسافة 1,490,40 كيلومتراً جواً، لبنانه غير الجميل وشباب لبنان الهائمين على الأرض، غير العارفين: وماذا بعد؟ ماذا ينتظرهم بعد حين؟ ويتلهفون للحصول على تأشيرة تنتشلهم من بلد لم يعرف لا قيمتهم ولا قيمة من سبقوهم. لكن، كما نعلم جميعاً، ليس هناك شيء مجاني، فماذا عن الكلفة المالية الإضافية جراء ذلك؟ وهل هذا الإجراء قانوني؟ وماذا لو لم يجد الشباب عملاً؟ وهل الأعمال متوافرة؟
الى اي مكان
اللبناني محمد ماضي يتحدث عن هذا النوع من التأشيرات “اشترى لبناني ، أسس شركة في الرياض، تأشيرات عمل لعمالِهِ الآسيويين وبقي لديه عدد منها فراح يبيعها الى مكاتب خاصة في لبنان، التي تبيعها بدورها بمبالغ خيالية، بأربعة عشر ألف ريال سعودي لقاء التأشيرة الواحدة. لهذا تكلمت مع أحد أصدقائي ممن يديرون شركات في المملكة وطلبتُ منه أن يعمل على إصدار 20 تأشيرة لبيعها الى الشباب اللبنانيين. وقد أخذتُ منه بالفعل اثنتين وأرسلتهما الى شابين في طرابلس مقابل 5500 ريال عن كل واحدة، أي ما يعادل 1250 دولاراً. وارتفع عدد الطلبات كثيراً وارتفعت معها مجدداً الأسعار. آلاف الشباب ينتظرون تأشيرة لكن مشكلة 99 في المئة منهم أنهم لا يملكون ثمنها. ويستطرد بالقول: نحن نبيع التأشيرة بمبلغ 9000 ريال، أي نحو 2800 دولار. لهذا أجريت “ديل” (إتفاقاً) مع من يعطيني تأشيرات من اجل تقسيط ثمنها بحيث يدفع الشاب 4500 ريال نقداً ثم يٌقسط المبلغ الباقي على أربعة أشهر بعد انتقاله الى المملكة”.
من كل الأعمار
يبدو أن أسعار هذه التأشيرات مثل حركة البورصة في لبنان. المكاتب في لبنان تبيعها بأربعة عشر ألف ريال (أي نحو 3700 دولار) في حين تباع من قِبل لبنانيين موجودين في المملكة بمبلغ 9000 ريال (أي 2800 دولار). علماً ان كلفة تأشيرة العمل “النظامية” لا تزيد عن 2000 ريال. وكي تحصلوا على المبلغ بالدولار عليكم ان تقسموا الدولار الواحد على 3,77. فكل دولار أميركي يعادل 3,77 ريالات سعودية. لكن ماذا لو لم يجد الشاب الراغب بالسفر عملاً ما دامت التأشيرة التي تباع على هذا النسق مشروطة بأنها بلا عمل؟ هنا، يُصبح الأمر رهن “شطارة” الشاب المسافر الذي عليه ان يجد عملاً في خلال تسعة أشهر وإلا سيعود الى لبنان “إيد لقدام وإيد لورا”. فمن يبيعه التأشيرة ليس محكوماً بإيجاد عمل له. وهذا طبعاً غير قانوني لكن، الحال التي بلغها شباب لبنان، تجعلهم لا يأبهون سوى أن يغادروا و”على الله التدبير”.
تأشيرات للبيع
اللبنانيون في المملكة العربية السعودية يُقدّر عددهم بثلاثمئة ألف عامل، لكن إذا لطفت السماء وانتهى فيروس كورونا وفتحت المملكة أبوابها فقد يُضرب الرقم باثنين. فاللبنانيون عيونهم اليوم “لبرا” أكثر من أي يوم آخر. لكن، ماذا سيعمل اللبناني الذي يشتري تأشيرة ويغادر ما دامت أعمال كثيرة هناك لا تزال مقفلة، أو تفتح وتُغلق، وتخضع الى الإجراءات الإحترازية الدورية في مواجهة فيروس العصر؟ هل هناك أعمال محددة يمكن ان تستوعب الشباب اللبناني “الهاشل” من وطنه؟ أكثر من خمسين في المئة من الشباب اللبناني يعملون، أو كانوا يعملون، في المطاعم في جدة والرياض وفي الخُبر. والتأشيرات التي تُباع تُحدد في مضمونها نوعية عمل من استُقدموا على أساسها. هذا من شروط إصدار التأشيرة أن يكون طلب الحصول عليها يتطابق مع المؤهلات الدراسية للشاب الذي ينوي الحصول عليها. لكن التأشيرات الصادرة مسبقاً تضع في خانة نوع العمل أعمالاً ليست بحاجة الى شهادات. وبعد أن يصل الشاب اللبناني حامل الشهادة ويجد عملاً ملائما يتقدم بطلب تعديل المهنة.
ممرضات وممرضون كثر وصلوا من لبنان الى جدة والرياض، لكن بعقود حقيقية مباشرة مع مراكز إستشفائية، عمدت الى إصدار تأشيرات لهم. عدد الأطباء، بحسب لبنانيين ناشطين هناك، أقل. تأشيرات المهندسين أغلى من تأشيرات العمال العاديين لأن المهندس لن يقبل بأن يتقاضى ما يتقاضاه الشباب الذين لا يغادرون على أساس شهاداتهم بل على أساس عمال عاديين في الفنادق أو مندوبين أو فنيين أو تحت خانة مهني عامل. العامل اللبناني العادي الذي يذهب اليوم الى هناك قد لا يتقاضى، بأحسن الأحوال، أكثر من 4000 ريال، أي ما يعادل 1300 دولار أميركي، وهناك مهندسون جدد تخرجوا للتوّ من لبنان يوافقون على السفر مقابل 4200 ريال أي 1500 دولار فقط لا غير. أحد المهندسين اللبنانيين الجدد إشترى تأشيرة الى السعودية تحت خانة تشطيب مبانٍ لسببين أن سعر تأشيرته تكون أقل ولأن هناك قرارا بعدم إعطاء تأشيرة الى أصحاب الإختصاص ممن ليس في حوزتهم خمس سنوات خبرة. ومع مرور الوقت سيذهب هذا الشاب الى نقابة المهندسين في السعودية ويطالب بتغيير المهنة.
جواز عبور
أقفلت في وجوه اللبنانيين من كل ميل. ففيروس كورونا جعل السفر صعباً، خصوصاً أن لبنان لا يزال ضمن الدول العشرين التي عليها محاذير سعودية بسبب عدم قدرتها على السيطرة على الجائحة. هنا نشعر باللبنانيين في المملكة يهبون من أجل نصح “أهل البلد الأم” بما يفترض القيام به ليعبروا. وكثير منهم يحاولون من خلال عشرات الـ”غروبات” تحت مسميات “اللبنانيون في السعودية” من أجل عرض الوظائف المتاحة. لكن، اللبناني حتى ولو أحبّ من قلبه، يبقى يقيس من كل عمل نسبة “الربح والخسارة.” فهو تاجر أينما ذهب. والتأشيرات تبدو في هذه الأيام تجارة مربحة.
هناك مكاتب في لبنان تعمل مع السفارة السعودية في بيروت. ويحق لكل مكتب تقديم 10 جوازات سفر لتنفيذ وضع تأشيرات عمل عليها أسبوعياً كحد أقصى. وهل من يشتري من الشباب تأشيرة مباشرة من السعودية، مثل تلك التي يبيعها اللبناني محمد ماضي، يحصل عليها من دون المرور بالمكتب في لبنان والسفارة؟ يجيب ماضي: “نحن نتواصل مع المكاتب التي ليس لديها كثافة طلبات ونُحوّل إليها التأشيرة التي اشتراها الشاب عبرنا، وهي تحولها بدورها الى السفارة السعودية في بيروت لتنفذها. وقد يحتاج ذلك الى 15 يوما”.
شباب كثر عيونهم صوب المملكة
أيها الشباب اللبناني، هناك، بابتكارٍ لبناني، تأشيرات الى المملكة العربية السعودية لكن من دون عمل. يعني هناك “نصّ أمل”. وبالتالي، ليست “الأدمغة” وحدها هي التي تهاجر أو تريد أن تهاجر وتشي بأزمة حقيقية بل “نبض الشباب” أيضا. والثابت للبنانيين في المملكة، كما في الكويت ودولة الإمارات والبحرين وقطر، كما في فرنسا وبلجيكا وكندا وأوستراليا، أن انتهاء أزمة كورونا سيُظهر بوضوح “هرولة” اللبنانيين في كل الإتجاهات. فمن يصمدون اليوم في البلد يرتبون أوراقهم للسفر في اتجاهٍ ما قريباً. ولا يلتقي شابان إلا ويسألان بعضهما البعض: “لوين مسافر؟”. وإذا كان من هاجروا لبنان في العام 2018 لم يزد عن 33 ألفا وفي 2019، 66 ألفاً وفي 2020، 17721 ألفاً (وهبوط العدد سببه كورونا) فإن أرقام ما بعد احتواء كورونا ستُفاجئ حتماً الجميع.
نعود الى المملكة السعودية. زمان كانت تكاليف الإقامة هناك، قبل 20 عاما مثلاً، لا تزيد عن ريال واحد. وكان اللبناني “مزنطر”. وكان يا مكان.