Site icon IMLebanon

«الموجة الأولى» من الأضرار: ثلث العمّال فقدوا وظائفهم

 

 

أجرت مديرية الإحصاء واستطلاعات الرأي في المركز الاستشاري للدراسات والتوثيق استطلاعاً يكشف عن تداعيات أوليّة للأزمة المالية وما تلاها من إقفال بسبب وباء «كورونا». أظهر الاستطلاع أن 30.8% من المؤسسات صرفت عمّالها، و10.8% خفضت عددهم. كذلك تبيّن أن أكثر من 33% من العاملين في القطاع الخاص انقطع راتبهم بالكامل و22% خُفضت رواتبهم مع إبقاء نفس عدد ساعات العمل، و13% خُفضت رواتبهم مقابل خفض عدد ساعات عملهم، مقابل 31.5% لم تمسّ رواتبهم. وعلى ضفّة المؤسسات، كشف الاستطلاع أن مردود المؤسسات بدأ ينخفض، إذ إن أكثر من 51% انخفض مردودهم المالي بنسبة 50% وما دون، مقابل 49% انخفض مردودهم بأكثر من 50%.

 

 

ما الذي تشير إليه هذه النتائج؟ يقول رئيس المركز عبد الحليم فضل الله إن الخلاصة الأساسية تكمن في «إننا لا نزال في الموجة الأولى من نتائج الأزمة». فالنتائج تشير إلى أن القوّة الشرائية للأجراء والعمال في لبنان تآكلت بفعل التضخّم الذي لم نشهد كامل مفاعيله بعد. والمؤسسات التي صرفت عمّالها هي مؤسّسات هشّة وليس لديها أرصدة كافية لمواجهة ضغوط الأزمة والصمود بوجهها، والمرجح أن بعض المؤسسات الأخرى التي لم تصرف عمّالها، ستقوم في الفترة المقبلة بإجراءات مماثلة لما قامت به المؤسسات التي صرفت عمالها أو خفضت رواتبهم أو أي إجراءات أخرى. بمعنى آخر، ستصبح الأزمة أكثر عمقاً يوماً بعد يوم.

ومن الأسباب التي ستؤدّي إلى تعميق الأزمة، معدلات التضخّم. فالمعدلات الظاهرة الآن لا تعكس بعد التضخّم الفعلي الناتج من التطوّرات السلبية. خطّ المواجهة الأول في هذه الأزمة هم العمال والأجراء الذين يشكّلون مصدر الطلب المحلي الذي انخفض «إلى حدود أن المؤسسات لم تعد تتحمل إبقاء العمال في وظائفهم، وعمدت إلى خفض أعمالها، وبعضها بدأ يخرج من السوق، وفق فضل الله.

هذا الوضع الحرج ليس سوى البداية. فعندما تنتقل الأزمة إلى المؤسسات الأكبر التي لديها قدرة أكبر على الصمود، أي عندما تُستنزف قدراتها هي أيضاً، سيصبح تسلسل الإجراءات من الخروج النهائي من السوق وصرف العمال وخفض الرواتب متسارعاً أكثر. ما يحصل اليوم هو أن المؤسسات الصغيرة بدأت تُمحى، فيما الصمود يقتصر على مؤسسات فردية أو شبه فردية لديها علاقات عمل مرنة مع عمالها (لا تصرّح عنهم، يمكنها الاستفادة من خبراتهم غبّ الطلب، ليس لديهم ديون مصرفية…).

اللافت أن العيّنة المستطلعة تشمل العمال والموظفين ولا تشمل أجوبة من أصحاب المؤسسات. ما يرد من نتائج هو ما ورد على لسان العاملين.

 

أنقر على الرسم البياني لتكبيره

 

على أي حال، هذه النتائج ترتّب تداعيات اقتصادية واجتماعية هائلة، يتطلب التعامل معها سرعة ومرونة كبيرة في بلد تبدّدت موارده بالعملة الأجنبية وغارق في خسارة تبلغ 83 مليار دولار تستقطب صراعاً ضخماً بين أصحاب الرساميل وأصحاب المداخيل المتوسطة وما دون. عدد الأسر التي ستحتاج إلى مساعدة مباشرة سيزداد بشكل مطّرد. سيتزايد عدد الذين سيصبحون على حافة المجاعة، وكذلك سيتراجع عدد كبير ممن كانوا مصنّفين تحت خطوط الفقر العليا، إلى خطوط الفقر الأدنى، ومن هم بين الخطين الأعلى والأدنى سيحتاجون إلى رعاية خاصة. ومع مرور الوقت، الغالبية ستكون تحت خطّ الفقر الأدنى أي الذين يحتاجون إلى مساعدة دائمة. «كلما مرّ الوقت، سيزداد عدد هؤلاء» يقول فضل الله.

إذاً، هناك حاجة إلى الإنقاذ السريع من الاحتمالات الصعبة. عملية الإنقاذ يجب أن تكون على شكل تغيير نوعي في برامج شبكات الأمان الاجتماعي. فالشبكة الحالية القائمة على برنامج استهداف الفقر، والآليات المطروحة لتوسعتها لا تتناسب مع حجم الكارثة المرتقبة. «الأمر يتطلب تقديمات جديدة ومختلفة ونوعية تتلاءم مع الواقع الجديد الناتج من ضعف القدرة الشرائية.

 

يجب إحداث تغيير نوعي في برامج الأمان الاجتماعي

 

هناك مساعدات يجب أن تذهب إلى أسر فقدت دخلها بالكامل، وهناك مساعدات يجب أن تذهب إلى أسر فقدت جزءاً من دخلها وبات بين أفرادها عاطلون من العمل… وهناك مساعدات يجب أن تذهب إلى المؤسسات التي قد تكون على حافة السقوط. يجب تكريس مقاربة اجتماعية واقتصادية جديدة من أجل تأمين التمويل للتوفير في فاتورة دعم لخسائر ضخمة. فهذا الدعم سيتحوّل إلى عبء على الموازنة وضغط إضافي على سعر الصرف. لهذا، فإن مقاربة خسائر المؤسسات يجب أن تتحوّل إلى مقاربة اجتماعية لتقليص كلفة البطالة والفقر وإبطاء سرعة خروج الناس من سوق العمل» بحسب فضل الله.

في المجمل، سينكمش الناتج المحلي الإجمالي، وسيتقلص معه الناتج الفردي إلى 5 آلاف دولار بدلاً من 10 آلاف حالياً. «سنعود إلى النقطة الصفر، أي كما كان الناتج الفردي عندما خرج لبنان من الحرب الأهلية، لكن بفارق أساسي يكمن في وجود أزمة مالية ونقدية وانتشار وباء كورونا».

ثلث العمال فقدوا وظائفهم!

تركت الأزمة الاقتصادية والنقدية، والتي تفاقمت بشكل كبير بعد حراك السابع عشر من تشرين، آثاراً كبيرة على الواقع المعيشي والحياتي للبنانيين، ثم أتت أزمة فيروس ”كورونا“ لتفاقم الأزمة بشكل كبير جداً، فتوقف معظم الأعمال والأنشطة الاقتصادية، ما أدّى إلى إقفال العديد من المؤسسات التجارية والصناعية والخدمية، وصرف عدد كبير من العمال من أعمالهم وخفض رواتب البعض الآخر.

ومن أجل الوقوف على تبعات هذه الأزمات وقياس تأثيراتها، أجرت مديرية الإحصاء في المركز الاستشاري للدراسات والتوثيق استبياناً لمعرفة طبيعة انعكاس الأزمة على المواطنين اللبنانيين وحجم تأثيراتها. تضمن الاستبيان الذي أجري بين 05/04/2020 و10/04/2020 مجموعة من الأسئلة تمحورت حول نوع التأثيرات التي انعكست على اللبنانيين وحجمها ومستوى تدهور الوضع المعيشي والحياتي، علماً بأن هذا الاستبيان يعطي مؤشرات عامة عن الأزمة ولا يغني عن دراسة متكاملة بالعينة.

بلغ عدد أفراد العينة 380 مستطلَعاً اختيروا عشوائياً من جميع شرائح المجتمع اللبناني ومن كل المناطق والمذاهب، مع هامش خطأ نسبته 5% تقريباً وبحدود ثقة 95%، ومع تباين بحدّه الأقصى. وراعت العيّنة المعتمدة التوزّع المذهبي والمناطقي، وشملت الفئات العمرية التي لها علاقة بقوة العمل.

على المستوى المناطقي، ضمت العينة 14.2% من بيروت، و36.1% من جبل لبنان، و11.6% من الجنوب، و12.9% من البقاع، ومن الشمال وعكار 25.2%.

 

 

– السؤال الأول: قطاع العمل

بيّن الاستبيان أن نحو 18% من المستطلَعين يعملون في القطاع العام، مقابل أكثر من 82% يعملون في القطاع الخاص.

 

– السؤال الثاني: إذا كان قطاع العمل هو القطاع العام، فما هو نوع عقد العمل؟

أكثر من 94% ممن يعملون في القطاع العام يخضعون لعقد عمل ثابت، مقابل 4.4% متعاقدين، و1.5% مياومين.

في ما يتعلق بالعاملين في القطاع الخاص، تبيّن أن أكثر من 58% منهم هم موظفون أو عمال، و42% هم من أرباب عمل أو ممن يعملون لحسابهم.

 

– السؤال الثالث: إذا كنت تعمل في القطاع الخاص، كيف انعكست الأزمة على وضعك المعيشي؟

أكثر من 33% من المستطلَعين انقطعت رواتبهم بالكامل، فيما 31.5% لم تُمسّ رواتبهم، و22% جرى خفض رواتبهم مع إبقاء عدد ساعات العمل نفسه، و13% خفضت رواتبهم مقابل خفض عدد ساعات عملهم.

 

– السؤال الرابع: بالنسبة إلى أرباب العمل، ما هي الإجراءات المتخذة بالنسبة إلى القوى العاملة؟

نحو 31% من أرباب العمل وأصحاب المؤسسات لجأوا إلى إيقاف كامل للعاملين لديهم، فيما عمد نحو 10% إلى خفض العدد جزئياً، ولم يتّخذ نحو 13% أي إجراء.

تجدر الإشارة إلى أن أكثر من 45% من المستطلعين ممن هم أرباب عمل يعملون لحسابهم وليس لديهم عمال، لذلك لم يتخذوا أي إجراءات.

وفي ما يتعلق بدفع الرواتب، فإن 43.5% لم تُدفع رواتبهم بشكل كامل، ونحو 39% دُفعت كالمعتاد، و17.4% خفضت رواتبهم جزئياً مع خفض ساعات العمل.

كذلك تبيّن أن المؤسّسات التي خفضت عدد العاملين لديها لم تنحُ منحىً واحداً في التعامل معهم لجهة دفع الرواتب. فأكثر من 14% لم يدفعوا الرواتب بشكل كامل حتى للعمال الباقين، و36% تقريباً دفعوا الرواتب كالمعتاد، و50% عمدوا إلى خفض جزئي للراتب مع إنقاص عدد ساعات العمل.

أما المؤسسات التي لم تصرف أياً من عمّالها، فإن 93% منها استمرت في دفع الرواتب كالمعتاد، مقابل 7% عمدت إلى خفض جزئي للراتب مع إنقاص عدد ساعات العمل.

 

– السؤال السادس: انعكاس الأزمة على المردود المالي لأرباب العمل والمؤسسات؟

انعكست الأزمة سلباً على المردود المالي لأرباب العمل وأصحاب المؤسسات، فأكثر من 51% من المستطلَعين من أصحاب المؤسسات وأرباب العمل انخفض مردودهم بنسبة 50% وما دون، ونحو 49% منهم انخفض مردودهم بأكثر من 50%.

 

– السؤال السابع: هل تتلقى مساعدات اجتماعية؟

نحو 6% يتلقّون مساعدات اجتماعية، مقابل 94% لا يتلقون أي مساعدات.

 

– السؤال الثامن: ما هو نوع المساعدة التي تتلقاها؟

50% من المساعدات التي تلقّاها البعض هي مساعدات عينية، ونسبة مماثلة تلقّاها البعض على شكل مساعدات مالية. وتجدر الإشارة إلى أن مصدر هذه المساعدات بشكل رئيسي هو البلديات وبعض مؤسسات المجتمع المدني والأقارب والأرحام.

 

– انعكاس الأزمة على العاملين في القطاع الخاص

أظهرت النتائج أن الجزء الأكبر من العاملين الذين انقطعت رواتبهم هم في محافظة الشمال (62%)، تليهم محافظة البقاع (41%)، ثم محافظة بيروت (37%) فالجنوب (33%). وسُجّلت أدنى نسبة في محافظة جبل لبنان (16%).

 

سيتزايد عدد الذين يقفون على حافّة الجوع وكلما تعمّقت الأزمة ازداد عدد الفقراء

 

 

– انعكاس الأزمة على أصحاب المؤسسات وأرباب العمل

سجّلت محافظتا البقاع والجنوب أعلى نسب للمؤسسات التي خفضت بشكل كلي أعداد العاملين لديها (45% في البقاع و43% في الجنوب). يشار إلى أن تدنّي هذه النسبة في محافظة الشمال (27%) مقارنة مع محافظتي البقاع والجنوب يعود إلى ارتفاع نسبة الذين يعملون لحسابهم في هذه المحافظة (54%)، وهم أصحاب التجارات والصناعات الصغيرة.

– انعكاس الأزمة على المردود المالي لأرباب العمل والمؤسسات

ظهر جلياً انعكاس الأزمات الاقتصادية والنقدية وأزمة وباء كورونا على المردود المالي (حجم الأعمال) للمؤسّسات والشركات العاملة في القطاع الخاص، الذي تراوح تراجعه بنسبة 35% إلى 80%. في الجنوب والبقاع، أكثر من 70% من المؤسسات سجلت تراجعاً في مردودها المالي بأكثر من 50%، بينما بلغت هذه النسبة في محافظة بيروت 56% وفي محافظة جبل لبنان 45%.