تبدو مسألة خفض أجور موظفي القطاع العام، واحدة من النقاط الساخنة التي يجري الكلام حولها في مشروع الموازنة التقشفية. وإذا كان من البديهي أن يرفض الموظفون والإتّحاد العمالي أيَّ مساس بالرواتب، فإنّ المفاجئَ أنّ الهيئات الاقتصادية ترفض بدورها خفضَ الرواتب.
فيما الشغلُ الشاغل الوحيد اليوم على الصعيد السياسي والاجتماعي هو موضوع الموازنة التقشفية ذات البنود «الموجِعة» التي ستطال الفئات المحدودة والمتوسطة الدخل، وفقاً للتلميحات التي يطلقها السياسيون يوماً تلوَ الآخر، بدأ موظفو القطاع العام بدعمٍ كامل من الإتحاد العمالي العام وكافة النقابات العمالية بالتأهّب للوقوف في المرصاد لأيِّ قرار قد يطال رواتب وأجور الموظفين.
ورغم أنّ اجتماعَ السراي أمس الأول برئاسة رئيس الحكومة وحضور ممثلي الأحزاب الرئيسة، لم تتسرّب عنه أية معلومات دقيقة عمّا اذا تمّ التوصّل الى توافق سياسي حول خفض الاجور او تعديل سلسلة الرتب والرواتب، إلّا أنّ رئيس الإتّحاد العمالي العام بشارة الأسمر قال لـ»الجمهورية» إنّ موقف رئيس مجلس النواب نبيه بري امس، بعث بنوع من الطمأنينة، حيث نُقل عنه عدم تأييده لاقتراح خفض الرواتب في القطاع العام ما بين 10 و20 في المئة على كل الرواتب التي تزيد على ثلاثة ملايين ليرة لبنانية ولمدة ثلاث سنوات، بما يوفر على الخزينة مئات ملايين الدولارات.
واوضح الأسمر أنّ القانون 46 قانون سلسلة الرتب والرواتب، يحتاج الى إقرار قانون آخر لتعديله إما عبر إصداره ضمن الموازنة أو إقرار تعديل قانوني لاحقاً، و»هذا الامر يتطلب إجماعاً نيابياً حوله».
أضاف: نحن في مرحلة انتظار لنكتشف موقف الكتل النيابية من هذا الامر. كما أننا في حالة تشاور مع كافة المكوّنات التي تستفيد من سلسلة الرتب والرواتب.
وفيما أكد الأسمر رفضَ الإتحاد العمالي لأيِّ مساسٍ برواتب وأجور موظفي القطاع العام، شدّد على أنه يُعدّ لخطةِ تحرّك بالتشاور مع كافة مكوّنات القطاع العام، في حال تأكدنا من أيّ قرار لخفض أو تعديل سلسلة الرتب والرواتب.
كما أكد انّ الاتّحاد العمالي يرفض المَسّ بالتقديمات التي يحظى بها موظفو القطاع العام، «فنحن بحاجة الى مزيد من التقديمات وليس الى تقليصها».
وعمّا اذا كان خفضُ الرواتب هو وسيلة الإنقاذ الوحيدة مرحلياً، اعتبر الأسمر أنه «في حال اعتبرنا أنها وسيلة الإنقاذ الوحيدة، نكون قد حمّلنا السلسلة وِزر الانهيار. وهذا أمر مرفوض من قبلنا لأننا نعتبر أنه منذ العام 2012 ولغاية 2017، ارتفع الدين العام 17 مليار دولار ولم تكن السلسلة قد أُقرّت. وبالتالي فإنّ كرة الثلج كانت تتعاظم من دون السلسلة».
وأشار الى أنّ الطبقة السياسة تحاول تحميل السلسلة مسؤولية الانهيار الناتج عن أعمالهم وصفقاتهم وسمسراتهم.
موقف الهيئات الإقتصادية
في المقابل، وعلى عكس ما يعتقده كثيرون، فإنّ الهيئات الاقتصادية لا تؤيّد قرار خفض رواتب القطاع العام، حيث أكد نائب رئيس غرف بيروت وجبل لبنان محمد لمع لـ»الجمهورية» أنّ خفض الإنفاق لا يقتصر على الموظف والعامل واصحاب الدخل المحدود، «هناك مصادر معروفة ومكامن هدر كثيرة وكبيرة يجب الانطلاق منها. ليبدأوا منها ويتركوا خفض الرواتب الى الاخير، كآخر الحلول، إذا كان فعلاً يشكّل نوعاً من العلاج».
واعتبر لمع «أنّ خفض الرواتب لا يسدّ العجز الذي وصلنا اليه، لأنّ المشكلة الكبيرة هي موضوع المناقصات، كلفة الإيجارات، كلفة السفر، والتعويضات وغيرها من مصادر الهدر التي يعيها المسؤولون تماماً».
وقال:»إنّ الاساس ليس سلسلة الرتب والرواتب، فالهيئات الاقتصادية لم تكن ضدّ إقرارها بل الاعتراض كان على طريقة تمويلها. وتبيّن لاحقاً أننا كنّا على حقّ لأنّ كلفتها الفعلية تجاوزت بأضعاف الكلفة التقديرية. وبالتالي، لم يستفد العامل ولا الموظف، بل على عكس ذلك، دفع الاقتصاد الثمن، وأصبح المستفيدون من السلسلة نادمين، وارتفعت الاسعار وزاد عجز الدولة». واشار لمع الى أنّ خفض الرواتب ليس أوّل الحلول، لأنّ البلد مخضوض والوضع الاقتصادي والمعيشي لا يتحمّل أيَّ خضّات اضافية. لافتاً الى أنّ القوّة الشرائية لم تعد كما كانت في السابق، فقد تراجعت بشكل كبير.
وأمل في الختام أن يتمّ التوافق بين القوى السياسية على أيِّ إجراءٍ تقشّفي سيتمّ اتّخاذُه، وعدم المتاجرة بالقرارات وإقرار موازنة من أجل إتاحة الصرف بشكل قانوني.