IMLebanon

عبء المال واللعب بالنار..

كيف يتحول المال إلى عبء على صاحبه؟ الجواب يعتمد على علاقة السلطة أو القوة بالمال.. يختلط الأمر أحياناً في أيهما يصنع الآخر؟ أيهما السبب، وأيهما النتيجة. المال أو الدين؟ السلطة تصنع المال لاستيفاء الدين لا المجتمع. تصير السلطة دائنة.

كل دولار في حوزة أي إنسان في العالم هو دين على الولايات المتحدة. هي تطبع الدولارات وتصدرها على أن يكون لها مقابل، على أن يتم الوفاء بهذا المقابل عند إبراز الدولارات للشراء. هذا الاستخدام للمال هو الأساس، ومنه تشتق أدوار المال الأخرى، كأداة للتبادل، وأداة للتعبير عن القيمة، وأداة للاكتناز، …الخ.

لكن الولايات المتحدة هي وحدها من بين بلدان العالم التي تطبع عملتها وتستخدمها للتداول في العالم، ويستخدمها الآخرون، وعلى أساسها تتقرر الأسعار. كل البلدان الأخرى تطبع عملاتها الوطنية، لكنها كلها تتقرر على أساس مرجعية الدولار سواء كان الربط مباشراً، أو كان الربط عن طريق العرض والطلب في أسواق الصرف. كل الدول الأخرى تحتاج إلى اقتصاد وطني حقيقي (صناعة، زراعة، خدمات، استيراد، تصدير) كي تبرر مستوى عملتها مقابل الدولار. الدولار يقرر نفسه بنفسه. طابعه يقرر الكمية التي تطبع منه. طابع الدولار لم تعد لديه القدرة الاقتصادية كما في السابق، حين كان يشكل 60 % من اقتصاد العالم في الستينيات. لكن لديه القوة العسكرية لدعم الدولار. الأساس عسكري ـ سياسي لا اقتصادي.

تحول المال لدى غير الأميركيين إلى عبء عليهم؛ تحولت ثرواتهم بالدولار إلى عبء، لأن العلاقة بين الدائن والمدين تحولت. في كل الأحوال الأخرى يخضع المدين للدائن، إلا في هذه الحالة، يخضع جميع الدائنين في العالم للمدين الأميركي. فالولايات المتحدة هي أعلى البلدان مديونية في العالم. الديون على الأفراد وعلى الشركات وعلى الحكومة. هذه الأخيرة وحدها مديونة بحوالي 20 ألف مليار دولار. العملة الأميركية تسمى Fiat money، تشبه القدر، قدر العالم. هي مصدر القوة الأميركية، المديونية بهذه العملة حول العالم مصدر القوة ونتيجتها، والأساس في ذلك هو القوة العسكرية قبل الاقتصادية.

المصارف اللبنانية جزء من السيادة الأميركية لا السيادة اللبنانية. منذ أن وقَّع أصحاب الودائع في المصارف على أوراق رسمية تقول بالقبول بتطبيق القانون الأميركي على الحسابات، وافق هؤلاء على التخلي عن السيادة. وهي مفقودة منذ بداية دولرة الاقتصاد اللبناني. الأكثر من ذلك، رمز السيادة اللبنانية، أي رئيس الجمهورية، مفقود منذ زمن طويل. معنى الدولة مفقود. عجز الأجهزة البيروقراطية الأمنية والمالية والإدارية عن إدارة الدولة واضح. العجز نقيض السيادة. فقدان السيادة، أي غياب الدولة بالمعنى الأعمق والأشمل، أمر واقع منذ زمن بإرادة المجتمع اللبناني. ما أزمة المصارف الحالية، وهي ليست أزمة مالية إلا كعرض من أعراض العجز وفقدان السيادة. الأمر أكثر بما يتعلق بحسابات تفتح وتغلق أو يبلغ عنها للخارج. هي عقوبة على لبنان، لا على جزء أو فريق منه. حياة اللبنانيين الآن أكثر تشابكا مع المصارف، وبالتالي فإن أي عقوبات سوف تطال الجميع دون استثناء.

تضاف العقوبات إلى المخاطر الأخرى التي يعاني منها لبنان وهي الحرب على الإرهاب والعجز السياسي الكامل لدى السلطة. إذا كان هذا الوضع ليس مطلوباً من البعض وليس مرغوباً من الجميع، فإن الحلول ممكنة. ليس المطلوب معجزات، وليس المطلوب تغيير ميزان القوى الدولي. نحن بلد، صغير ونعرف ذلك. المطلوب إنشاء بلد يعاد فيه بناء الدولة من رئاسة الجمهورية إلى الحكومة إلى مجلس النواب، وذلك من أجل تحقيق نصاب الأمور ووضعها في سياق مفهوم عوض أن نبقى عرضة لقرارات عشوائية تصدر عن الغير.

تهدد هذه المخاطر وحدة البلد ومصيره. لن يهتم الغير بمصير البلد. إضافة بضع آلاف من الكيلومترات المربعة لن تزيد أو تنقص كثيراً من أهوال الحروب الأهلية التي تتعرض لها المنطقة. بدل التفتيش عن حلول تزداد الانقسامات في لبنان. المخجل أنه حتى النفايات لا نستطيع لها حلاً. يمتاز الإنسان عن الحيوانات الأخرى في أنه أنظف بدءاً من مسح قفاه. نحن أعجز من ذلك. نتمادى في الغرق. المطلوب أن نغير اتجاه الانحدار ونبدأ بالصعود؛ كيف نفعل ذلك؟ الجواب عند أهل الحل والعقد:

كفوا عن الارتجاج والاهتزاز إما بعزل موظف أو تعيين آخر. عالجوا أمور الدولة الحقيقية. كفوا عن اللعب بالنار. نحن مصابون بكم. لا نريد أن نبقى مصابين بالعيش على حافة الهاوية.