بدا كلام وزير الطاقة وليد فياض على أثر الاجتماع الذي عُقد برئاسة رئيس الحكومة نجيب ميقاتي، لمتابعة ملف الطاقة والكهرباء، “ثورياً” في طرحه كلّ العقبات التي يعاني منها القطاع، دفعة واحدة على طاولة البحث:
التجديد لعقود التوزيع وزيادة التعرفة، مؤازرة وزارة المالية والبنك المركزي بالنسبة للمواضيع التي تتعلق بالمالية، الدفع للمشغلين وموزعي الخدمات ومشغلي المحطات، نزع التعديات وملاحقة الجهات التي تمتنع عن الدفع، اجراء حسابات تدقيقية لكهرباء لبنان بالنسبة للسنوات 2020 و 2021 و 2022، ومساعدة البنك الدولي في إعادة صياغة العقود وتمديدها لمشغلي الخدمات وتقويم أدائهم…
وتحدث عن تشكيل لجنة تضمه ووزير المالية ومصرف لبنان ومؤسسة كهرباء لبنان للبحث في المواضيع المالية وتحديدها، ومن بينها آلية الدفع من مؤسسة الكهرباء لمستحقات الجهات المعنية ومن ضمنها قرض البنك الدولي بالدولار، ومشغلي الخدمات والمحطات واولويات الدفع، وسيكون دور هذه اللجنة البحث في موضوع زيادة التعرفة وتأمين الدولار وطريقة احتسابه وتحديد الميزانية التي تحتاجها مؤسسة كهرباء لبنان للايفاء بالتزاماتها مستقبلاً.
في الواقع، فإنّ ما كشف عنه فياض، ليس إلا بعضاً من سلّة الشروط التي يفرضها البنك الدولي ليكون الطرف الثالث، المموّل للاتفاق مع مصر لاستجرار الغاز إلى معمل دير عمار. والبنك الدولي لن يقوم بهذه المهمة إلا بعد اطمئنانه إلى أنّ ملف الكهرباء وضع على السكّة الإصلاحية، وهو لن يبادر باتجاه دفع أي دولار إلا بعد التأكد من أن وعود المسؤولين اللبنانيين ليست حبراً على ورق. هذه المرّة لا تشبه أياً من المرات السابقة. التنفيذ ثمّ الدفع.
ولهذا يسارع رئيس الحكومة ووزير الطاقة إلى وضع سلة الشروط على الطاولة دفعة واحدة، وأمام السلطة المالية الممثلة بمصرف لبنان ووزارة المال للتوصل معهما إلى اتفاق لكيفية الإلتزام بالشروط التي يفرضها البنك الدولي، ليضمن الأخير بأنّ لبنان سيتمكّن من سداد قيمة القرض المنوي تمويله، والذي تبلغ قيمته 270 مليون دولار والمفترض أنّه مجدول على 24 شهراً، حيث من المرجح أن تسدد دفعة كل ستة أشهر، على أن تبلغ قيمة الدفعة الأولى 100 مليون دولار. ويفترض بعد هذه المدة أن تكون الحكومة اللبنانية قادرة ذاتياً على تمويل العقد.
ويتبيّن أنّ سلة الشروط هذه تتضمن: رفع التعرفة، التدقيق المالي في مؤسسة كهرباء لبنان، الحدّ من الهدر غير التقني أي التعديات على الشبكة، تفعيل الجباية، الإلتزام المالي بالدولارات الطازجة لسداد مستحقات مشغّلي المعامل وعقود الصيانة ومقدّمي الخدمات… والأهم من ذلك تعيين الهيئة الناظمة.
ما لم يقله وزير الطاقة، يكشف عنه المعنيون بملف الكهرباء الذين يؤكدون أنّ تعيين الهيئة الناظمة، هو أول شروط البنك الدولي، لا بل أكثر من ذلك، اذ يجزمون أنّ البنك الدولي أبلغ السلطات اللبنانية بأنّه لا تساهل في هذا الشرط الأساسي، وبأنه لن يدفع أي دولار قبل تشكيل الهيئة، ما يعني أنّه يفترض أن ترى النور قبل نهاية العام الحالي، وهو التوقيت المرجّح لبدء استجرار الغاز، مع العلم أنّ شروطاً أخرى ومنها مثلاً رفع التعرفة قد تكون مؤجلة لمراحل لاحقة.
الجدير في الاهتمام هو طبيعة هذه الشروط التي تبدو في حالة لبنان الكارثية، تعجيزية، ليس فقط لعدم قدرته على تلبيتها وإنما أيضاً لكلفتها السياسية، منها مثلاً ما يتصل بتعيين الهيئة الناظمة، أو بالتدقيق المالي في مؤسسة كهرباء لبنان بشكل يكشف المتاهات المالية التي تخبئها عقود شراء الفيول.
ويسأل المعنيون: كيف يمكن تحقيق هذه الشروط خلال هذه المدة القصيرة الفاصلة حتى نهاية العام، حيث يفترض في حينه أن يكون الاتفاق مع مصر صار جاهزاً لناحية التنفيذ بعد وضع الأنبوب قيد العمل؟ وهل ثمة امكانية لالزام مصرف لبنان تأمين حدّ أدنى من الدولارات الطازجة لمشغّلي المعامل والصيانة ومقدمي الخدمات؟