Site icon IMLebanon

هل يستفيد من يملك براداً بلا طعام وسيارة بلا بنزين؟

 

إعادة النظر في معايير “الأكثر فقراً”

 

هو الفقر يُحلّق في لبنان وليس طائر الفينيق. إنه الفقر يحوم فوق رؤوس اللبنانيين، 99 في المئة من اللبنانيين، أسوأ من كل أشكال العنف. وإذا كانت البحصة تسند خابية فهل ستساهم مساعدات قرض البنك الدولي في نجاة بعض الأسر الأشد فقرا في البلاد؟ لكن من هم الفقراء ومن هم الأكثر فقراً؟ ومن يستطيع أن يُحدد من ينام بلا عشاء ومن يموت لأنه لم يستطع الحصول على دواء ومن يتسرّب من المدرسة لأن لا إمكانية ليتعلم ويكبر وينطلق؟ وهل المعايير التي ستعطى على أساسها المساعدات الشهرية عادلة؟ وماذا عن الفقراء جداً الذين ما اعتادوا مدّ اليد والقول: نحن فقراء وفقراء جداً؟

نغوص في الأرقام والنسب والبرامج فنكاد نضيع. فأعداد اللبنانيين الفقراء جداً تزداد وتنمو أسرع من الفطر، والبرامج تأخد “اللت والعجن” شهوراً وسنوات يزيد فيها الفقير فقراً وتضيع بين الحق والحقيقة والواقع والوقائع. نحاول أن ندخل الى موقع برنامج الاستفادة من تقديمات وخدمات برنامج استهداف الأسر الأكثر فقراً مرة ومرتين وثلاث مرات وأكثر فنفشل. الموقع الالكتروني الخاص بهذا البرنامج انطلق لكنه، كما الخطوط الساخنة، لا يفتح بسهولة ليُجيب المحتاج. قد تكون كثافة المحاولات لدخول الموقع هي التي تعيق ربما عملية التسجيل. وهو الانتظار الممل الذي يشبه في بلادنا “الشحادة” يحد من قدرة طالبها على الدخول الى الموقع وتسجيل الإسم الثلاثي ورقم الهاتف وعنوان السكن والنقر على كلمة ارسال ليُصبح الطلب لدى المعنيين. ولكن، حتى بعد ان يُصبح، فهل سيكون بين أيدٍ أمينة؟

 

ريمون لا يفهم كثيراً في التكنولوجيا وفي المواقع الإلكترونية وفي المطلوب ليُدرج اسمه “فقيراً معدماً” لكنه ينام منذ أشهر بلا عشاء. هو يسكن في بيت لم يدفع إيجاره منذ أشهر. وهو باع مركبته العتيقة ودفع ما تقاضاه ثمنا لها كلفة دواء وعلاج والدته المسنّة التي تعيش معه. نخبره عن البرنامج فيتململ كثيراً في مقعده مكرراً: لم أستطع حتى هذه اللحظة ان أحصل على 400 ألف ليرة. فكيف أحصل على أكثر؟

هناك فقراء كثيرون في بلادنا لا يثقون بكل البرامج التي يفترض أنها لهم. فهل هذه هي نقطة ضعفهم أم هي ستكون نقطة ضعف برامج كهذه وعجزها عن الوصول الى من يفترض أن تصل إليهم؟ وزير الشؤون الإجتماعية السابق بيار بو عاصي يجيب من الآخر: “من لديه حاجة عليه أن يقدم طلباً. فليقدمه الآن. ولا داعي أبداً للكبرياء والخجل والتردد والخوف من خلو المعايير لذلك إذا كان يملك براداً وسيارة. فالبنك الدولي يعرف ان لدى كثير من اللبنانيين اليوم براداً لكن بلا طعام وسيارة لكن بلا بنزين. لذا المعايير ستختلف اليوم عما كانت عليه من قبل. حاولوا الدخول الى الموقع ولا تملوا واملأوا الطلب فهذا حق لكم والقرض وجد من أجلكم”.

 

بيار أبو عاصي من الوزراء الذين يملكون “قلباً” وكثيراً من الإحساس بحاجات الناس. وهو عاش تجربة استلام المنصب الأول، منصب الوزير، في وزارة الشؤون الإجتماعية. ونجح إبان وجوده في إعداد تقييم لكل المحتاجين والوصول الى 50 ألف عائلة لبنانية تعاني. البرنامج اليوم سيصل الى 200 الف. لكن، بحسب قوله “البرنامج يحوطه حتى اللحظة بعض النقاط الخلافية. أولاها، هل ستُدفع المساعدات الشهرية بالعملة الصعبة أو بالعملة المحلية؟ وإذا دفع بالعملة اللبنانية فوفق أي سعر صرف؟ هل بسعر المنصة المضروب بستين في المئة؟ قبل كان هذا الشكل من المساعدات يوصي بشراء السلع الغذائية لا غير (بلا دخان ولا كحول مثلاً) ومن محال ومتاجر معينة أما الآن فمطروح شراء ما يشاؤون بهذا المبلغ فهم يتقاضونه نقداً “كاش”.

 

لا تزال هناك خلافات حول تفاصيل توزيع مساعدات قرض البنك الدولي ويبلغ ربع مليار دولار، وتحديداً 246 مليون دولار، اللهمّ أن تزال قبل أن ينشف الدم في شرايين فقراء بلادنا.

 

تشغل المعايير الكثير من الفقراء في لبنان. فزمان، أيام وزير الشؤون الإجتماعية سليم الصايغ، كانت المعايير مشدّدة أكثر. وكانت النقاط التي تعطى في تحديد من يحق له الإستفادة تتوقف عند تفاصيل معينة، بيت بلا بلاط، بلا دهان، بلا سيارة، بلا هاتف، بلا براد… فمن يقنع اللبناني الفقير الذي لديه براد بلا طعام ان محاولته لن تذهب سدى؟ يعود الوزير السابق بيار أبو عاصي ليجزم هنا أن المعايير تختلف اليوم، وتكون أكثر تشدداً وفقاً للإمكانيات والظروف، وهي تغيرت كثيراً اليوم، فثمة فقراء وهناك طبقة الفقراء الجدد التي ولدت اليوم، بسبب ارتفاع سعر الصرف والكوارث الإجتماعية التي نشأت، لذا لا بد من تبسيط نقاط البحث”.

 

ما رأي وزير الشؤون الإجتماعية الحالي رمزي مشرفيه في الموضوع؟

 

تنشط وزارة الشؤون الإجتماعية اليوم في متابعة هذا الملف. ويتحدثون في الوزارة عن 60 في المئة من اللبنانيين فقراء، غير ان شبكة الأمان الإجتماعي تستهدف من هم تحت خط الفقر المدقع. ويتحدث الوزير عن معايير سيحددها برنامج PMT (PROXY MEANS TEST) الذي يحدد من هو الفقير وفق 50 سؤالاً وجواباً، وما إذا كان من يطلب المساعدة الشهرية مؤهلاً لها”. هنا لا بُدّ أن نسأل: ماذا لو دخلت الحسابات والمحسوبيات في الموضوع؟ ماذا لو أدخلت المعلومات خطأ؟ ماذا لو تكرر ما حصل قبل مدة في موضوع الناجحين والراسبين في كلية الطب حيث لُقّم الحاسوب بإجابات خاطئة أدت الى رسوب الناجحين ونجاح الراسبين؟ الوزير ابو عاصي يجيب عن هذه النقطة بالقول “لا خيار في تطبيق هذا البرنامج إلا عبر “التطبيق الالكتروني” وإذا انطلقنا من سوء النية فلن نحقق شيئا” ويشرح “سيكون هناك أربعة أطراف يتابعون الملفات، إثنان محليان واثنان دوليان، والتحدي كبير من أجل قطع الطريق على أي “زعبرة” وكل ما يفترض فعله هو احترام النظام المعمول به “system” ويمكن الإستعانة بطرف آخر مستقل تماماً من خلال شركة تدقيق تراقب العملية”.

 

حالياً، القرض في انتظار إقراره في المجلس النيابي. والى حين يقرّ إنطلقت عمليات تعبئة الطلبات عند من ابتسم لهم الحظ وانفتح أمامهم موقع تعبئة الطلبات. وسيتم إرسال أشخاص الى مساكن أصحاب الطلبات من أجل تعبئة الطلب كاملاً والأجوبة على الأسئلة الخمسين. وسيتم الإختيار بينهم من الأكثر فقراً الى الأقل فقراً. وسيبقى هناك بالتأكيد فقراء لن يحظوا بمساعدات. فما ستؤول إليه حال هؤلاء؟ يجيب أبو عاصي: “ثمة برنامج قدمناه باسم “برنامج التخريج” نساعد من خلاله الفقراء على التدريب على مهن معينة، وافتتاح مشاريع صغيرة لهم، تمكّنهم لاحقاً من الاعتماد على أنفسهم”. هذا البرنامج لم يطبق حتى الآن وهو مطلوب وبإلحاح.

 

نعود عشرة اعوام الى الوراء، الى حين كان سليم الصايغ وزيراً، وكانت نسبة الفقر حينها 28 في المئة. ونسبة من هم دون خط الفقر المدقع 8 في المئة. اللبنانيون اليوم، بغالبيتهم، فقراء. عشرة أعوام مرّت أصبح فيها أكثر من نصف سكان لبنان يعيشون تحت خط الفقر (أكثر من 2,7 مليون شخص فقراء، يعيشون على أقل من 14 دولاراً في اليوم، بعدما كانت النسبة قبل عام واحد، واحداً فقط، 28 في المئة). إنها كارثة حقيقية. اللبنانيون، بغالبيتهم، باتوا فقراء. والبرنامج هذا، برنامج استهداف الأسر الأكثر فقراً، امامه تحديات كبيرة ليتمكن من الوصول الى أكبر شريحة تعاني في البلد. والتحدي الأوّل أن يطاول من لم يعتدوا على الطلب وهم اليوم في أمس الحاجة. والوزير رمزي مشرفية يعرف تماما أن أكثر من 75 في المئة من اللبنانيين، لا 55 في المئة فقط، بحاجة.

 

البنك الدولي ضمانة؟

 

 

برنامج الأغذية العالمي والبنك الدولي شريكان أساسيان في هذا المشروع وسيعملان بدقة كبيرة لإيصال المساعدات وفق منهج علمي واضح وشفاف. هذا يُطمئن. اللهمّ ألا يقلب الشركاء اللبنانيون، ممن يمسكون زمام المسؤولية، الوضوح والشفافية رأساً على عقب. هذا أول ما خطر في رأس من هم اليوم في أمس الحاجة الى مساعدات غذائية ومالية سريعة، تجعلهم يحصلون أقله على رغيف الخبز قبل النوم. فهل ينال من يستحقّ ما يفترض أنه له؟ يعود موظف في البرنامج الوطني لاستهداف الأسر الأكثر فقراً الى العام 2011، الى حين تأسس المشروع الوطني لدعم الأسر الأكثر فقرا بتمويل من البنك الدولي، حينها وعد وزير الشؤون الإجتماعية آنذاك سليم الصايغ بمأسسة هذا المشروع، لكن تفاجأ المعنيون مع مرور الوقت بأن بطاقة الشؤون غير مرحب بها في المستشفيات والمدارس وبات المبلغ الذي كان يعطى بالدولار بالعملة المحلية، ففقد قيمته. وبطاقة “حلا” التي تحولت الى “حياة” لم يعد لها اليوم قيمة. لكن اليوم هو يوم آخر. وعلى اللبنانيين، المصنفين فقراء وما اكثرهم، التفكير بإيجابية. فليحاولوا هذه المرة بعد.

 

وزارة الشؤون الإجتماعية تتحدث عن عناصر ثلاثة أساسية سيشملها القرض: المساعدات المالية وسقف قيمتها 800 ألف ليرة شهريا للعائلة الواحدة. ومساعدة 87 ألف طالب في المدارس الرسمية بعدما ارتفع التسرب المدرسي في بعض المناطق الى أكثر من 30 في المئة. والخدمات الإجتماعية من خلال تقديم الدعم النفسي والإجتماعي والإرشادات العائلية والتدريب على المهن الحرفية الحرة. وستشرف الوزارة، مع البنك الدولي، على وصول كل هذه المساعدات الى من يحتاجون إليها.

 

800 ألف ليرة لبنانية تُسدد شهريا ستكون البحصة التي تسند الخابية الفارغة. لكن، قبل إقفال التحقيق، هناك في عكار من يتحدث عن خلل طالما طبق في توزيع البطاقات، ففي بلدتي عندقت والقبيات الكبيرتين، هناك 70 مستفيداً فقط. في حين ان هناك آلاف المستفيدين في بلدة أكروم. وهذا يُظهر الخلل المتمادي في الـ “system” . ثمة خلل مورس في الموضوع حين أنشئ المشروع، في بداياته، أدى الى لاعدالة في التوزيع. لذا، المطلوب اليوم، العدالة أولاً بين الفقراء، وتعزيز برنامج التخريج كي نصل الى مرحلة يخرج فيها الفقير وحده من الفقر المدقع الى سطح الأرض.

 

فليحاول الفقراء من جديد فتح التطبيق الإلكتروني وتعبئة الطلبات. هذا حقهم.