Site icon IMLebanon

82 مليون دولار هدية البنك الدولي للمنظومة!

 

محظوظة طبقة السياسيين في لبنان، لأنّ هناك جهات مانحة في خدمتها. فبعد فضائح المساعدات المخصَّصة لـ»الكورونا»، جاءت فضيحة قرض الـ246 مليون دولار المخصَّص للعائلات الأكثر فقراً. وعلى رغم انكشاف هذه الفضيحة، لم يتراجع عنها أي من الطرفين، طاقم السلطة والبنك الدولي. وبسحر ساحر، هذا القرض ماشي!

سنوياً، يضيع من أموال اللبنانيين، أو ما تبقّى منها بعد ما تعرَّضت له من نهب، أكثر من 7 مليارات دولار تحت عنوان: دعم المواد الاستهلاكية والأدوية والمحروقات. لكن هذا المال الذي يدفعه اللبنانيون من جيوبهم يتبخَّر في مزاريب أخرى، أبرزها التهريب.

 

فلا أحد يستطيع تقدير الكميات الهائلة من المواد المدعومة من جيوب اللبنانيين، وهي تُهرَّب إلى سوريا بالشاحنات والصهاريج وبطريقة مكشوفة، عبر نقاط الحدود غير الشرعية. والجميع يعرف الجميع في هذا الفيلم. لكن أحداً لا يتدخّل لوقفه، مع أنّ ذلك ممكن، وبسهولة.

 

لماذا؟ لأنّ المافيات التي يحميها أصحاب السلطة والنفوذ، وجدت في التهريب وسيلة مثالية للإستمرار في نهب أموال الناس، عندما تعذّر عليها الاستمرار في النهب بالطرق السابقة. وهذه المنظومة نفسها تمنع أي تدقيق في أي مرفق أو مؤسسة أو جهاز، لئلا يُفتَضح أمرها أمام الرأي العام في الداخل والخارج وينقطع مزراب المال المنهوب.

 

فوق ذلك، هذه المنظومة خدمها الحظ بـ»الكورونا». فالمجتمع الدولي الذي أوقف مساعداته المالية للبنان من خلالها، معاقبةً لها على فسادها، لم يوقف مساعداته الإنسانية. ولذلك، قرَّرت نهب ما أمكن منها.

 

لهذا السبب، بعد انفجار المرفأ، قرَّر الأميركيون والفرنسيون وسائر المانحين أن يقدّموا مساعداتهم مباشرة، وعبر الهيئات والجمعيات الأهلية، لا من خلال السلطة الرسمية. ويتردّد أن النافذين تمكّنوا من «خرق» بعض هذه الهيئات وواصلوا من خلالها عمليات النهب أو التوزيع استنسابياً للمحاسيب.

 

ويتردّد أيضاً أنّ بعض المساعدات الذي وصل إلى لبنان بالعملة الصعبة جرى توزيعه بالليرة اللبنانية على المستفيدين، وعلى أسس صرف اعتباطي يبدأ بدولار الـ1500 ويتحرّك صعوداً إلى نقطة معينة دون سعر السوق السوداء. وهذا ما يحصل اليوم في قرض البنك الدولي للعائلات الأكثر فقراً.

 

فأركان السلطة يتمتعون بهامش الاستفادة أيضاً، وبسخاء، من قروض البنك الدولي تحت عناوين إنسانية واجتماعية وطبية. وفي مطلع شباط الفائت، ارتفعت أصوات في الدول المانحة تحذّر من مغبة قيام منظومة السلطة بالاستيلاء على قسمٍ من قرض الـ246 مليون دولار المقرّر منحه للبنان بطريقتين: إنعدام الشفافية في التوزيع، وصرف القرض للمستفيدين على أساس سعر صرف استنسابي للدولار.

 

أي أنّ السلطة ستتلقّى دولارات خضراء من البنك الدولي، وتمنح الناس 6240 ليرة بدلاً من كل دولار… تحت شعار تخصيص المبلغ الباقي للدعم. و»مزراب الدعم» معروف أين يَصبّ!

 

وأمس، لامس سعر الدولار في السوق السوداء الـ10 آلاف ليرة، وقد يرتفع لاحقاً إلى حدود غير معروفة، لكن المساعدات تبقى محدودة عند سقف 6240 ليرة.

 

حسابياً، هذا يعني أنّ المنظومة الحاكمة استولت على نسبة الثلث من هذا القرض مباشرة، من خلال التلاعب بسعر الصرف، أي 82 مليون دولار. وهذا المبلغ يزداد صعوداً كلما تراجع سعر الليرة. هذا عدا عن المبالغ التي يمكن أن تضيع بسبب انعدام الشفافية في التوزيع.

 

وتُذكِّر هذه النسبة بالثلث الذي يدفعه تجار الشيكات المصرفية ثمناً لها. وطبعاً تُذكِّر بدولار المنصة 3900 ليرة. وكأنّ اليد واحدة فيها كلها.

 

في شباط، تبلَّغ البنك الدولي اعتراضات الدول المانحة. وكان مُلزَماً بتصحيح الوضع، لأنّ قروضه ليست ملكاً له بل هي ملك المكلّفين في هذه الدول، وهي تتوخّى الشفافية في صرفِها. لكن شيئاً في البنك لم يتغيَّر. والقرض على وشك أن يصبح قيد التنفيذ. وهذا ما يثير الأسئلة حول مغزى إصرار البنك الدولي أو بعض مسؤوليه على تقديم الخدمات لمنظومة السلطة في لبنان.

 

وفي لبنان، حرَّكت هذه المسألة مجموعات اعتراضية، من «حركة شباب للبنان» وآخرين مشاركين في انتفاضة 17 تشرين، ودفعتهم إلى مناشدة مسؤولي الدول المانحة بأن يضعوا عنوان «محاربة الفساد» الذي يرفعونه موضع التنفيذ.

 

وتوجَّهوا برسالة بهذا المعنى إلى وزير الخارجية الأميركي والممثل الأعلى للسياسة الخارجية الأوروبية ووزراء الخارجية والتعاون الدولي في كندا، فرنسا، المانيا، بريطانيا، الدنمارك، إيطاليا، وهولندا، إضافة إلى رئيس البنك الدولي.

 

في تقدير هؤلاء، أنّ البنك الدولي كان يدرك نتائج موافقته على شروط العقد وآليته، ولكنه اختار الخضوع للحكومة اللبنانية. ولذلك، على مسؤولي هذه الدول أن يستمروا في الضغط على «النادي السياسي» بالعقوبات وتجميد حسابات السياسيين اللبنانيين في مصارف بلدانهم، تحضيراً لاسترجاع الأموال المنهوبة، عملاً باتفاقية مكافحة الفساد التي انضمّ اليها لبنان في العام 2008.

 

هل سيتجاوب البنك الدولي مع أصوات الاعتراض في لبنان والدول المانحة، أم يتجاهلها ويمضي في تكرار الاتفاقات التي تستفيد منها منظومة السلطة في لبنان؟

 

يخشى المطلعون أن يعتمد البنك الخيار الثاني. فهو حتى الأمس القريب رعى مسار الهدر طويلاً في مؤسسات الدولة، بدءاً من مجلس الانماء والإعمار، حيث الكثير من المشاريع التي يموِّلها موضع تشكيك ونقص في الشفافية. ونموذج سدّ بسري ماثل للعيان. وحتى هذا المشروع لم يجمِّد تمويله إلّا بعد وصول الإعتراضات إلى مستويات عالية جداً محلياً ودولياً، وبعد انتفاضة 17 تشرين الأول.

 

وهناك اقتناع بأنّ طبقة الفساد اللبناني ستبقى حيَّةً و»تُرزق»، وأنّها لن تسقط ولو سقط البلد، ما دامت تحظى بالمال «من تحت الطاولة» ومِن فوقِها.