مع حلول موعد كأس العالم يتغير اللبنانيون، يرتدون ” طاقية الإخفاء” ويرحلون عن مرارة الحاضر الذي يتخبطون فيه، ليحلّوا في مربع أخضر يضج بالهتافات، يعزلون أنفسهم عن بلد المصائب ليلاحقوا بكل الجوارح كرة صغيرة تنتقل بين الأقدام لتثير فيهم الرعشة وتحول الملعب الأخضر مساحة خارج الزمان والمكان. محطة كأس العالم في لبنان غيرها في مختلف البلدان تجترح معجزة توحيد اللبنانيين وتتعالى على انقساماتهم وترافق كل احداثهم.
من الحرب اللبنانية الى الاجتياح الإسرائيلي في بدايات حزيران 1982 وبعده حرب الجبل، ومن حرب التحرير الى حرب الإلغاء وصولاً الى اتفاق الطائف الذي أنهى حرب لبنان وأدخله في مرحلة قصيرة من شبه استقرار انتهت مع اغتيال الرئيس الحريري في 2005 لتبدأ معها من جديد مرحلة تأرجحت بين الدموية والهدوء النسبي وصولاً الى الانتفاضة الشعبية عام 2019 والانهيار المالي الكبير. سلسلة تواريخ لا يزال كثيرها مطبوعاً في ذاكرة اللبنانيين بمحطاتها المؤلمة. في عتمة سلسلة الأحداث تلك كانت تشع كل أربع سنوات محطة فرح وحماس تخرق العتمة وترتفع كأس العالم لتحمل ناس البلد الى عالم أجمل.
1990ألمانيا والحرب الخاسرة
في العام 1990 كانت مباريات كأس العالم تجرى على أرض إيطاليا ما بين 8 حزيران و8 تموز، أما على أرض لبنان فكانت مباريات من نوع آخر، دموية ومميتة تقع مجرياتها بين الشقيقين المسيحيين على أرض “المنطقة الشرقية” حينها. المنطقة تعيش اسوأ أيامها مع “حرب الإلغاء” مقطّعة الأوصال تفصل المتاريس بين أحيائها، قصف متنقل، حقد وخوف وانقطاع للكهرباء ولموارد العيش. ووسط أجواء الرعب التي كانت تلف المنطقة انطلقت صافرة كأس العالم فكانت الرذاذ البارد الذي هدّأ من حماوة النفوس وأحدث ما يشبه فقدان ذاكرة وقتياً عند أبناء تلك الحقبة. ” كنت أنتقل بالباخرة ليلاً من جونية الى بيروت تحت القصف، يقول فادي لأشاهد مباريات الأرجنتين بطلة العالم عند أحد الأصدقاء في منطقة السوديكو وكان يملك مولد كهرباء، وأعود في الليلة التالية بحراً الى الشاليه الذي لجأت إليه لأكون الى جانب رفاق لي. في المباراة الختامية بين الأرجنتين وألمانيا بقينا على أعصابنا حتى اللحظات الأخيرة وحين سجل الألماني أندرياس بريمه هدف ألمانيا من ضربة ” بينالتي” أحسست حينها أننا خسرنا الحرب ورحت ألعن الجنرال…”.
في مناطق أخرى من صيف ذاك العام الحامي لم يكن اللبنانيون ينعمون بالكهرباء لمتابعة المباريات لكنهم اجترحوا الحلول: ” كنت أجمع مراهقي الحي عندنا في البيت تروي ساندرا ليساعدوني في مد شريط كهرباء الى بطارية سيارتي المتوقفة تحت الشرفة ووصله الى جهاز تلفزيون صغير جداً نجلس أمامه جميعاً. لكن فرحتنا كانت أوسع من الشاشة بكثير مع كل هدف تحققه البرازيل”.
1994 البرازيل ومرسوم التجنيس
هدأت الأحوال بعد اتفاق الطائف وبدأت في لبنان ورشة الإعمار والوعود بأيام عز قادمة مع الترويكا الهراوي، بري والحريري (رفيق) وإن كانت تخفي في طياتها أحداثاً سوف تتكشف تداعياتها لاحقاً. حينها كانت كأس العالم 1994 تجرى على أرض الولايات المتحدة الأميركية وسجلت رقماً قياسياً في عدد الجمهور الذي تابع المباريات وبلغ حوالى 3,6 ملايين متفرج في حين كان وسط بيروت لا يزال يلفه الدمار ولم يتحول بعد الى الـ down town. استطاع اللبنانيون متابعة مجريات كأس العالم بلا مشاكل تذكر على شاشة تلفزيون لبنان. كانت الشرفات والأسطح هي التي تجمع المشجعين و”تظبيط الأنتين وبرمه” هاجسهم. وفي 17 تموز اشتعل لبنان أكثر من باسادينا في كاليفورنيا عند المباراة النهائية بين البرازيل وإيطاليا.
” كنا أكثر من عشر شباب مجتمعين على سطح مبنى عتيق في زقاق البلاط وكلنا من مشجعي البرازيل، احترقت أعصابنا مع انقضاء وقت المباراة الأصلي الذي لم تسجل فيه البرازيل أي هدف. كنا نتوقع لها أن تكرر ما فعلته في العام 1970 وتسحق “صعلوكة” الفوتبول إيطاليا 4-1 كما حصل حينها. لكن وقت المباراة الأصلي انتهى والوقت الإضافي كان يمر سريعاً من دون أية أهداف الى أن أعطيت ضربة جزاء لروبرتو باجيو الطلياني وعندما أهدرها كاد صراخنا يسمع الى الأشرفية ومع فوز البرازيل بركلات الترجيح انطلقت مواكب سيارة تجوب طرقات بيروت الغربية وكنا لا نجرؤ بعد على التجول بحرية في الأشرفية وبيروت الشرقية”. وفي تلك المرحلة كانت عمليات عسكرية للمقاومة الإسلامية في لبنان تحدث بشكل يومي في الجنوب من مهاجمة دوريات اسرائيلية الى استهداف مراكز لتجمعاتها وبدأ معها صعود نجم المقاومة. وتزامناً مع مباريات كأس العالم وفرح اللبنانيين بها زف الرئيس الحريري خلال جلسة مناقشة عامة لمجلس النواب في 21 حزيران بشرى توقيعه والرئيس الهراوي ووزير الداخلية بشارة مرهج مرسوم التجنيس الذي أعطى أكثر من 120000 الهوية اللبنانية ليتبين لاحقاً أن أعداداً كبيرة منهم من غير المستحقين وإنما نالوا الجنسية لأسباب طائفية وانتخابية. ولا يزال لبنان الى اليوم يدفع ثمن تداعيات هذا المرسوم المشؤوم.
1998 فرنسا الحنون
فرنسا التي استضافت كأس العالم للعام 1998 لم تكن حنونة على لبنان إذ هزمت البرازيل “بطلة اللبنانيين” بنتيجة كبيرة 3- صفر وفُجع مشجعو البرازيل بهذه النتيجة “الجرصة” وبشماتة الألمان والطليان بهم. كان لبنان يعيش يومها آخر فترة من ولاية الرئيس الهراوي الثانية ويطرح السؤال الملح حول من سيكون رئيس الجمهورية المقبل وكانت قد بدأت تطبخ في الكواليس طبخة الاتيان بالعماد إميل لحود رئيساً للبلاد. وبعد أن خبت نار كأس العالم نضجت الطبخة الرئاسية فتم تعديل المادة 49 من الدستور التي اتاحت وصول قائد الجيش العماد إميل لحود الى سدة الرئاسة.
وفيما كانت الكرة تدور في الملاعب الفرنسية كان قد بدأ دوران من نوع آخر في لبنان سوف تثبت الأحداث لاحقاً أنه دوران فارغ ما وصل يوماً الى نتيجة أو حقق هدفاً. حينها كان الوزير شربل نحاس يطلق تصوراً متكاملاً عن التصحيح المالي المطلوب للانتقال من وضع بات “إستقراره يرتكز على تغطية عجز متنام وإقتصاد معطّل بالإقتراض وإغراءاته وتقنياته، إلى اقتصاد يلملم مقدراته لإعادة تكوين طاقته الإدخارية وفتح مجالات الإستثمار المنتج. تصور يهدف في شقه المالي إلى تصويب إدارة المالية العامة والدين، إجتناباً لأية أزمة على هذا الصعيد!!!” لكن نحاس ومعه الدولة لم يحققا أي هدف وظلت الأهداف تتوالى في مرمى اللبنانيين العاجزين عن صدها.
2002 الجارتان اللدودتان
العالم تغير والدنيا لم تعد كما كانت بعد أحداث أيلول 2001، حتى كأس العالم كان غريباً عام 2002 فقد استضافته الجارتان اللدودتان اليابان وكوريا الجنوبية في حدث يقع للمرة الأولى في العالم. “لا أدري لمَ لم أتحمس كثيراً لهذه البطولة يقول ريشار وما زاد الطين بلة في ختامها فوز البرازيل على ألمانيا 2-0 واشتعال شوارع بيروت والمناطق بمواكب سيارة حملت أعلام البرازيل وراح برازيليو لبنان يزرّكون لألمانه الذين صعب عليهم ابتلاع الهزيمة”.
لكن كأس العام 2002 كان لها طعم آخر عند عبدالله ابن بلدة الخيام. “للمرة الأولى منذ أكثر من عشرين عاماً تابعت المباريات من شرفة بيتنا في الخيام. شعور لا يوصف شعور العودة الى “البلد” بعد التحرير. فرحة اجتماع شباب الضيعة والهيصة مع كل غووول لم تكن توازيها إلا فرحتنا بالتحرير. أعلام الحزب كانت ترفرف الى جانب أعلام ألمانيا وبعض أعلام البرازيل، وحتى خسارة المانيا لم تكن خسارة يومها”.
بيروت التي كانت قد استقبلت في شهر آذار قمة عربية موسعة كانت تعيش أفضل أيامها في الظاهر. وكان الجاران اللدودان لبنان وسوريا على غرار كوريا واليابان قد وحدا جهودهما لإنجاح القمة العربية فاستقبل لبنان قبلها بأيام الرئيس السوري بشار الأسد في زيارة تاريخية الى لبنان أتت لتشكل “محطة بارزة على صعيد التعاون الوثيق بين البلدين في مواجهة الإستحقاقات والأخطار” كما قيل يومها. وفي صالون السفراء، تبادل الرئيسان الأوسمة!.. اما القمة العربية فلم تسجل سوى هدف واحد هو مبادرة السلام التي اطلقها ولي العهد السعودي الأمير عبدالله بن عبد عزيز لكن لم يتم احتسابه في ما بعد في سلسلة الأهداف العربية المجهضة.
2006 استراحة قبل الحرب
على غرار سابقتها جاءت كأس العالم 2006 بعد زلزال هز لبنان عام 2005 تمثل في اغتيال الرئيس الحريري ورفاقه وكل ما حفلت به هذه المرحلة المتزعزعة من أحداث داخلية واغتيالات وانقسامات حادة وصولاً الى حرب تموز 2006. كأس العالم التي جرت احداثها في ألمانيا وشهدت مباراتها الختامية لقاء بين إيطاليا وفرنسا انتهى بفوز الأخيرة بركلات الترجيح شكلت استراحة محارب للبنانيين بين كارثة اغتيال الرئيس الحريري وأهوال حرب تموز. فبعد ثلاثة أيام على انتهاء المونديال انطلقت شرارة الحرب المدمرة وغرق لبنان في عتمة الخوف والموت والدمار.
“رغم تشجيعي الدائم للمنتخب الإيطالي إلا إنني كنت أشعر برابط عاطفي مع فرنسا التي تعاطفت مع لبنان إثر اغتيال الرئيس الحريري وزيارة جاك شيراك الى بيروت للمشاركة في مراسم الدفن. أحسست فرنسا منا وفينا وصليت لكي تفوز تعترف جولييت”.
2010 إسبانيا تفرح قلوب اللبنانيين
حلت كأس العالم 2010 في ظل هدوء مقبول تلا ثلاث سنوات من عدم الاستقرار، وشهدت صيفية لبنان عجقة سياح ومغتربين وعرب قدر عددهم بمليونين وفي استفتاء لصحيفة نيويورك تايم اعتبر لبنان الوجهة الأولى سياحياً. ونعم اللبنانيون وضيوفهم بأحلى فرصة لمشاهدة مباريات كأس العالم في المقاهي والمطاعم التي تزودت بشاشات عملاقة وقدمت تجربة حماسية جديدة للاستمتاع بالمباريات. وقد نشرت فرانس 24 حينها مقالاً ذكرت فيه “إذا كنتم عاجزين عن حضور المباريات في جنوب أفريقيا، ننصحكم بالتوجّه إلى لبنان حيث الأجواء ستكون بنفس الحماوة. فصحيح أن بلاد الأرز لا تشارك في كأس العالم لكن اللبنانيين جاهزون لتشجيع منتخبهم المفضل ورفع علمه”. وبالفعل شهدت الشوارع والأحياء فورة حماس رياضية و تجارية لا مثيل لها شابهت ما شهدته شوارع جوهانسبورغ أثناء استضافة جنوب أفريقيا للبطولة. وجاء فوز إسبانيا على هولندا 1-0 في المباراة النهائية ليثلج قلوب اللبنانيين الذين عشقوا المنتخب الإسباني بعد حبهم الأزلي للمنتخبين البرازيلي والألماني.
وحماوة كرة القدم لم تكن توازيها سوى حماوة الجدل القائم حول شهود الزور وصدور القرار الظني بقضية الرئيس رفيق الحريري وتبادل الاتهامات بين الفئات السياسية والأمنية. وحدها بردت الأجواء زيارة العاهل السعودي عبد الله بن عبد العزيز يرافقه الرئيس السوري بشار الأسد لبنان في زيارة تاريخية رافقتها زيارة في اليوم نفسه لأمير دولة قطر الشيخ حمد بن خليفة آل ثاني.
2014 مونديال الفراغ والهزات الأمنية
شكلت كأس العالم 2014 نكسة للبنانيين على كل الأصعدة فكأس العالم التي استضافتها البرازيل ترافقت مع فراغ رئاسي عجز معه نواب الأمة عن انتخاب رئيس جديد، ومع سلسلة من الأحداث الكبرى التي هزت الوضع الأمني في الصميم كان أشدها التفجيرات التي حصلت في الضاحية الجنوبية وحصدت ضحايا.
على خلاف صيف 2010 كان صيف لبنان ذاك العام محفوفاً بالذعر والقلق وترافق مع أزمات كثيرة ليس أقلها أزمة الكهرباء وكاد اللبنانيون ألا يشاهدوا مباريات كأس العالم مع الأزمة التي نشأت بين تلفزيون لبنان وشركة BeIn SPORTS التي تملك الحق الحصري لبث المباريات. ورغم محاولات وزير الاتصالات حينها بطرس حرب التفاوض مع الشركة القطرية ومحاولة الدولة اللبنانية تليين قلب أمير قطر الشيخ تميم وتذكيره بالوعود القطرية السابقة للرئيس ميشال سليمان للسماح لتلفزيون لبنان بنقل المباريات إلا أن الأمور تعرقلت بشدة حتى اتخذ تلفزيون لبنان قراراً شجاعاً بنقل المباريات على محطته الأرضية لإتاحتها لكل اللبنانيين وتجنيبهم دفع الأموال وشراء البطاقات المشفرة وأجهزة الريسيفير.
“كل الاحترام والتقدير لما قام به تلفزيون لبنان يقول بشارة لكن التعليق في ستوديوات التلفزيون العجوز لم يكن على قدر التطلعات ولا يمكن تشبيهه بالتعليق المحترف الذي كانت تقدمه المحطات العالمية. عضينا على الجرح. فلا أطيب من البقلاوة إلا الخل ببلاش…”. أما نتالي المغرمة بالفوتبول فاشترت بطاقة تشريج بـ 400 دولار وشاهدت الأرجنتين تهزم ألمانيا 1-0 وتنال لقبها الرابع فيما تابع بعض الشباب المباريات على محطات تركية!!!.
2018 شحدنا المونديال
مونديال 2018 في روسيا ترافق مع عهد الرئيس ميشال عون ورغم “الصراع ” المحتدم على تعيين مدير لتلفزيون لبنان إلا أن شركة BeIn وافقت بعد مفاوضات مع الوزيرين ملحم رياشي وجمال الجراح على منح تلفزيون لبنان حق بث 22 مباراة فقط من منافسات كأس العالم على شاشته الأرضية مجاناً. ونشط موزعو الكابل غير الشرعيين في قرصنة بعض المحطات العالمية كما عمدت المقاهي والمشجعون المتحمسون الى دفع المبالغ المطلوبة للاشتراك بشكل شرعي مع BeIn والحصول على حق مشاهدة كافة المباريات.
” دبرنا حالنا كما تعودنا والحمدلله لم يكن تقنين المولدات على الموضة كما هو اليوم وتمكّنا من مشاهدة المباريات بالتي هي أحسن…”.
وجاء فوز الأم الحنون فرنسا على كرواتيا بنتيجة 4-0 ليفرح قلب اللبنانيين وينسيهم تجديد المجلس النيابي لنفسه ثلاث سنوات جديدة والهزات الاقتصادية التي كانت قد بدأت تطل برأسها والسجالات السياسية التي يحمل لواءها الوزير باسيل.
وفي انتظار مونديال قطر كيف سيشاهد اللبنانيون المونديال: بطريقة شرعية أو غير شرعية بجودة عالية أو بصورة مهزوزة باشتراك فريش أو باللبناني على شاشة التلفزيون او عبر الستريمينغ والانترنت؟ الخيارات مفتوحة واللبناني دائما فائز. ولكن من سيفوز في مونديال قطر؟
محمود درويش: ونحن أيضاً نحب كرة القدم
في كتابه» ذاكرة للنسيان» وصف الشاعر الفلسطيني محمود درويش ما جرى صيف 1982 في بيروت التي تابعت تحت الحصار بطولة العالم في كرة القدم.
«ونحن ايضا نحب كرة القدم، ونحن ايضا يحق لنا ان نحب كرة القدم. ويحق لنا ان نرى المباراة، لم لا؟ لم لا نخرج قليلا من روتين الموت؟.
في أحد الملاجىء استطعنا استيراد الطاقة الكهربائية من بطارية سيارة. وسرعان ما نقلنا «باولو روسي» الى ما ليس فينا من فرح. رجل لا يرى في الملعب الا حيث ينبغي ان يرى. شيطان نحيل لا تراه الا بعد تسجيل الهدف، تماما كالطائرة القاذفة لا ترى الا بعد انفجار اهدافها.
وحيث يكون باولو روسي يكون الغوول، يكون الهتاف، ثم يختفي او يتلاشى ليفتح مسارب الهواء من أجل قدميه المشغولتين بطهي الفرص وانضاجها وايصالها الى أوج الرغبة المحققة. لا تعرف ان كان يلعب الكرة ام يلعب الحب مع الشبكة.
الشبكة تمنع، فيغويها ويغاويها بفروسية ايطالية أنيقة على ملعب اسباني حار. ويغريها بانزلاق القطط الهائجة المائجة على صراخ الشهوة. وعلى مرأى من حراس العرض المصون الذين يعيدون اغلاق بكارة الشبكة بغشاء من عشرة رجال. يتقدم باولو روسي بكامل الشبق، يتقدم لاختراق شبكة قابلة للنيل من عضلة هواء مرتخية عجزت عن المقاومة، فاستسلمت لاغتصاب جميل.
كرة القدم،
ما هذا الجنون الساحر، القادر على اعلان هدنة من أجل المتعة البريئة؟ ما هذا الجنون القادر على تخفيف بطش الحرب وتحويل الصواريخ الى ذباب مزعج! وما هذا الجنون الذي يعطل الخوف ساعة ونصف الساعة، ويسري في الجسد والنفس كما لا تسري حماسة الشعر والنبيذ واللقاء الاول مع امرأة مجهولة…
وكرة القدم هي التي حققت المعجزة، خلف الحصار، حين حركت الحركة في شارع حسبناه مات من الخوف، ومن الضجر».