IMLebanon

المونديال وقمّة هلسنكي

 

إثنان فازا في “المونديال” في موسكو. فريق ” الديوك” الفرنسي الملون بألوان “الإخوة والمساواة والاخوة” فاز بالكاس وعلّق النجمة الثانية، والرئيس فلاديمير بوتين الذي نجح في فك المقاطعة وإقامة احد أفضل مباريات المونديال رغم كل المخاوف من مخاطر أمنية… ” الديوك” عادوا الى باريس ليغرقوا في بحر الشانزليزيه من الفرنسيين الذين نسوا كل يومياتهم الصعبة ليفرحوا معاً كما فرحوا قبل عشرين سنة بالنجمة الاولى للفريق وربما أكثر، لأن الفوز لم يكن مضموناً ولأن الفريق الغني بالشباب واعد جداً للدورة القادمة بعد اربع سنوات في قطر.

 

هلسنكي لا تبعد عن سان بترسبورغ مدينة “القيصر” بوتين سوى ٣٠٠ كلم، تبدو المسافة الآن قفزة صغيرة، لكن قبل أربعين سنة عندما عقدت القمة الاولى كانت المسافة ضخمة، لانها كانت تفصل بين عالمين متناحرين يجعلان العالم كله جالساً فوق الزر النووي، وفي أحسن الأحوال يجاور حرباً بالوكالة مدمرة في احدى الجهات الأربع من العالم. انتهى ذلك التاريخ في اللعب على مبدأ حقوق الانسان التي ما زالت شعاراً ترتكب باسمه آلاف الجرائم… لكن لم تنته الحروب وربما ما زالت سلسلتها في بداياتها.

 

انتهت الحرب الباردة وانتهى الاتحاد السوفياتي. قمة اليوم بين رئيس روسي لا يخفي ألمه على انهيار الاتحاد السوفياتي خصوصاً وأنه احد أفضل إنتاجه مع تميزه بواقعية باردة خارجة من تربيته ضابطاً في الاستخبارات السّوفياتية، يؤمن ان عديم القلب من “السوفيات” من لا يأسف على الاتحاد السوفياتي، وأن من يفكر بإعادة القمة إلى الاتحاد السوفياتي هو بلا عقل”. باختصار انه هو رئيس الاتحاد الروسي الذي يملك القلب والعقل وهو يلتقي ترامب على هذا الأساس.

 

أما الرئيس ترامب الذي دخل الى البيت الابيض في غفلة من الزمن، فإنه خصم معجب بخصمه، اي بوتين، ولذلك يعاني ضعفاً أمامه. الأسوأ انه لا يفقه شيئاً من الملفات المعقدة كما يرى الخبراء. لذلك تبدو هذه القمة غير متكافئة رغم ملفاتها الدقيقة والحساسة والخطيرة. الخبراء الأميركيون يَرَوْن ان الامل بعدم وقوع التزام سلبي للولايات المتحدة الاميركية ان الرئيس ترامب “لا يملك ما يقدمه في الملفات الكبرى”، ما يعزز ذلك ان القضايا الملحة لموسكو “تقع خارج سلطة ترامب الرئاسية”.

 

في قمة هلسنكي كل الملفات المطروحة على طاولة المفاوضات معقدة من أوكرانيا الى سوريا، ومن كوريا الشمالية الى ايران… اصعب ما في معالجة هذه الملفات ان التنازل محدود ان لم يكن ممنوعاً. الهدف الأساسي لبوتين هو رفع المقاطعة الاقتصادية لينطلق اقتصاد روسيا المرهق، وهدفه الثاني او المكمل للأول رفع المخاطر الأمنية ـ القومية الناتجة عن قضية أوكرانيا خصوصاً مع تحولها الى بوابة لاثارة النعرات القومية بسبب القرم والشيشان وظهور التوتر في داغستان. أوكرانيا ورقة ضغط هائلة لواشنطن وأوروبا على روسيا، فماذا يستطيع ان يطلب بوتين ويكون مقبولاً، وماذا يمكن لترامب ان يقدمه دون ان يشكل ذلك خسارة استراتيجية؟

 

الملف المعقّد الآخر هو سوريا وايران. لا يريد بوتين ان يخسر ايران ولا ان يفقد اسرائيل وان يكون اتفاقه مع ترامب مثبتاً لتواجده الاستراتيجي في سوريا وامتداداتها الشرق اوسطية. في حين ان ما يريده ترامب اخضاع طهران لمطالبه التي اذا حصلت تكون أكبر بكثير بالنسبة لإيران “من شرب كأس سم واحدة” وانما انتهاء مشروع ضخم صرفت عليه طهران واستثمرت الكثير من المال والرجال. لا يمكن لإيران الخروج من سوريا لان ذلك يعني انهيار احجار الدومينو من سوريا الى اليمن مروراً بلبنان والعراق…

 

أما كوريا الشمالية والمصالحة الاميركية فانها رغم كل تعقيداتها تبقى مرتبطة اكثر بالصين وموقفها منها… لكن يبدو بوضوح ان الجميع بحاجة لهذه المصالحة… الاختلاف حول بعض الشروط غير الاستراتيجية. ويبدو ان ترامب يستعجل هذه المصالحة لضرب التعاون الكوري الشمالي ـ الايراني في مجال الصناعة الصاروخية الايرانية، مما ينتج ازالة لشرط يصعب على ايران التنازل عنه لانها تضعه ضمن حق الدفاع المشروع لها.

 

من حق العالم خصوصاً في الشرق الاوسط ان يحلم بقليل من الهدوء وتخفيف النزاعات رغم ان ذلك يتوقف على تثبيت نظام دولي جديد ما زال في طور التشكل الذي كما خبر العالم يتطلب الكثير من الخسائر البشرية والمادية.