قدّم برنامج الأغذية العالمي «الشروط المرجعية» حول تفاصيل قرض البنك الدولي لدعم الأسر الأكثر فقراً، إلى وزارة الشؤون الاجتماعية لإبداء الرأي فيها. لدى الأخيرة ملاحظات عدّة على الشروط الموضوعة، أبرزها استمرار «البرنامج» والبنك الدولي في الاستفراد بإدارة المشروع، وتفريغ الدور المفروض أن تقوم به الإدارة العامة، لتحويلها إلى «مُراقب» مُجرّد من الصلاحيات. برنامج الأغذية العالمي، المُكلّف من البنك الدولي «إدارة» القرض، يُريد التعاون بدوره مع وكالات تابعة للأمم المتحدة لمشاركته في تنفيذ المشروع
حتّى يَصرف البنك الدولي القرض المُخَصَّص لتمويل دعم الأسر الأكثر فقراً، فرض عدّة شروط غير مألوفة في عقد الاتفاقيات، ولا سيّما إذا كانت اتفاقية قَرض (أي الدولة المُستفيدة منه ستعيد تسديده مع الفوائد) لا هِبَة. واحد من تلك الشروط كان إجبار الحكومة اللبنانية على إبرام اتفاقية مع برنامج الأغذية العالمي، ليكون عملياً أشبه بـ«مُدير» القرض البالغ 246 مليون دولار. من أصل هذا المبلغ، سيوضع بين يدَي برنامج الأغذية العالمي، 227 مليون دولار للتصرّف بها، على أن ينال «عمولة» من القرض تبلغ 1% من قيمته. ويُفترض بـ«البرنامج» أن يكون مسؤولاً عن كلّ شيء، كإبرام العقود مع الموزعين الماليين والمصارف لإصدار بطاقات الدفع الإلكتروني، ثُمّ تولّي توزيعها على المستفيدين من برنامج الدعم، بالإضافة إلى حفظ الوثائق المناسبة لجميع المعاملات التي يُجريها في إطار المشروع، وتقديم «خدمات ما بعد البيع» كنوع من «مراقبة حُسن التنفيذ».
مراحل التفاوض بين الحكومة وبرنامج الأغذية العالمي بدأت قبل الموافقة على إبرام اتفاقية قرض البنك الدولي، «ولا سيّما بعدما نال المسؤولون في البنك الدولي تعهّداً من مرجعيات سياسية بأنّ أي موانع دستورية لن تحول دون إقرار الاتفاقية في مجلس النواب». بالإضافة إلى ذلك، «كانت حُجّة الجهات الدولية بأنّ التفاوض المُبكر، سيُسرّع العمل بالمشروع فور الموافقة عليه»، كما يُخبر أحد المسؤولين المعنيين بتنفيذ القَرض. كُتبت «الشروط المرجعية» المُتضمنة كيفية توزيع الأموال، والمسؤوليات لكلّ طرف من الموقّعين على الاتفاقية، وغيرها من البنود التي يُفترض أن تُناقشها اللجنة التقنية والوزارية المُخصّصة لمتابعة الملفّ، ولكن في هذه المرحلة تتولّى الإدارة العامة في وزارة الشؤون الاجتماعية مُتابعة تفاصيل «الشروط المرجعية». ورقة العرض وصلت إلى «الشؤون» التي تعمل على وضع ملاحظاتها عليها، «لأنّ الجهات الدولية ما زالت تُفوّض نفسها مهمات ليست من صلاحياتها وفيها تَعدّيات على دور الإدارة». ولكن أليس برنامج الأغذية العالمية «شريكاً» للوزارة في عددٍ من البرامج، ولا سيّما تلك المُتعلقة بالنازحين السوريين؟ يردّ المسؤول بأنّ «الفارق أنّ أموال القرض هذه المرة تصل مُباشرةً إلى الدولة، في حين أنّه في تلك البرنامج تقوم الجهات الدولية بتقديم الأموال مباشرةً إلى الجمعيات والوكالات الدولية، وحتى في الحالة الثانية تكون الإدارة معنية مباشرةً بتوزيع البطاقات وجمع المعلومات».
ملفّ «الشروط المرجعية» يتحدّث عن أنّ الحكومة اللبنانية تبحث عن التعاقد «مع شركة مُختصة أو وكالة تابعة للأمم المتحدة»، وستقوم بتقديم خدمات:
– لـ 147 ألف عائلة المُستهدفة، إضافةً إلى الـ 15 ألف عائلة التي تحصل على بطاقة الغذاء الإلكترونية. سيُرفع عدد هؤلاء إلى 50 ألف عائلة، يتم تمويلها من الاتحاد الأوروبي وألمانيا. ويُصبح عدد المستفيدين النهائي 197 ألف عائلة.
– تحويلات مالية لحوالى 87 ألف تلميذ، تراوح أعمارهم بين 13 و18 عاماً، وهم من أبناء العائلات الـ 147 ألفاً. التحويلات لهؤلاء ستشمل التكاليف التعليمية المباشرة: التسجيل، مصاريف لجنة الأهل، الكتب المدرسية، المواصلات، اللباس المدرسي، الأجهزة المدرسية.
برنامج الأغذية العالمي سيصدر، فصلياً، تقريراً مالياً حول توزيع المبالغ النقدية وطريقة استخدامها، ومن هي العائلات التي استفادت منها «من دون كَشف معلومات شخصية»، على أن تُقدّم كلّ المعلومات المطلوبة إلى «طرف ثالث» يتولّى المراقبة المالية. أما المهمات التي ستُكلّف بها «الشركة أو الوكالة التابعة للأمم المتحدة» فهي:
– إعطاء تعليمات مباشرة لمزوّدي الخدمات المالية.
– إدارة منصة دفع الأموال والتعاقد مع الجهات المالية التي ستُصدر البطاقات.
– إصدار البطاقات للمستفيدين الجُدد من المساعدات.
– مراقبة التحويلات.
– تنسيق توزيع البطاقات الإلكترونية بالتعاون مع برنامج الأكثر فقراً في وزارة الشؤون الاجتماعية
– تحضير لوائح الدفع شهرياً.
– اختيار المؤسسات التجارية التي تقبل الدفع بالبطاقات الإلكترونية الخاصة بالمشروع.
– رفع عدد مراكز التوزيع إلى 32 مركزاً، والعمل على أن تُعطى 40 ألف بطاقة في غضون شهر.
– إدارة كلّ المبالغ المُخصصة بالطلاب، وتُعدّ وزارة التربية مسؤولة عن التأكد من حضور الطلاب إلى المدارس ومستواهم التعليمي.
– دفع أموال مباشرة إلى المدارس.
– دفع أموال مباشرة إلى العائلات في بداية السنة المدرسية.
– مراقبة عمليات ما بعد التوزيع والمسائل المتعلقة بالخدمات الإلكترونية، والقيام بزيارات منزلية للعائلات والمحال التجارية التي جرى التعاقد معها للتدقيق في كيفية صرف المبالغ.
– إرسال تقارير شهرية إلى الحكومة والبنك الدولي.
– جمع الداتا وتحليلها وكتابة تقارير عن النشاطات، بالتعاون مع وزارة الشؤون الاجتماعية.
ما زال البنك الدولي وبرنامج الأغذية العالمي يُصرّان على فرض أنفسهما «مرجعية المواطن»، وإلغاء أي وجود للإدارة المحلية، وحَصر دورها بالـ«شكلي» من دون أن يكون لها عملياً أي «سلطة». وبحسب المعلومات، فإنّ المُدير العام لوزارة الشؤون الاجتماعية، عبدالله أحمد لن يقبل بـ«الشروط المرجعية» كما هي، بالإضافة إلى طلبه الحصول على رقم دقيق «للكلفة التشغيلية التي سيحصل عليها برنامج الأغذية العالمي من الـ 227 مليون دولار، وما هي التوظيفات التي سيقوم بها للتأكد من إمكانية أن يقوم بمهماتها مُوظفون حاليون في الإدارة».
الملاحظات الرئيسية التي تطرحها «الشؤون الاجتماعية» هي أنّ اختيار المصارف والمحال التجارية التي سيتم التعاون معها «يجب أن يتم وفق معايير واضحة تُشارك الحكومة اللبنانية في وضعها». كما أنّ توزيع البطاقات الإلكترونية «يجب أن يكون حصراً من مهمة الشؤون الاجتماعية. كيف سيُعاد بناء الثقة مع المواطن إذا تُركت كلّ الأمور الأساسية للمنظمات الدولية؟»، فضلاً عن دور «الشؤون الاجتماعية» والحكومة «في تتبّع الأسر والتأكد من حصولها على المساعدات، وخاصة أنّ البنك الدولي كان يُريد استبدال الزيارات للتأكد من أنّ الأسر تستحق الدعم، بمقابلات عبر الهاتف، ما يطرح علامات استفهام حول الشفافية». أما النقطة الأخيرة فهي «رفض التعاون مع منظمة دولية لتوزيع البطاقات وجمع الداتا، والتشديد على أن تكون جمعيات أهلية محلية تحظى بالثقة».