طبيعي (جداً) أن تقول مارين لوبان من بيروت، ما قالته عن الرئيس السوري السابق بشّار الأسد، وكونه «ضمانة لفرنسا». بل لو أنها قالت غير ذلك، لأصيبت المنظومة الطبيعية «العاقلة» في هذه الدنيا بارتباك محسوم!
.. لا يوجد إنسان سوي، عادي أيّاً يكن وضعه ومستواه وعقله وعمله وثقافته ودينه وقوميته..الخ، إلا ويسيء الحكم على بشار الأسد! ويظنّ به الظنون السوداء! ويفترض بأنه خارج القيم الإنسانية المألوفة! والمقاييس العادية المستخدمة لوزن الناس في الاجمال، وأصحاب السلطة في الخصوص!
ولا يوجد عامل في الشأن السياسي، باعتبار هذا شأناً عاماً وليس حيثية مبنيّة على موهبة ذاتية أو خصال استثنائية خاصة وفرديّة، أكان في الفن أو الأدب أو التصنيع والاختراعات أو العلوم الطبية والفلكية والرياضيات.. الخ، إلا ويعتبر حُكماً، ووفق قياسات علم السياسة، أنّ رئيس سوريا السابق حالة هجينة، السياسة فيها جزء من تركيبتها. ومعظم مكوّناتها الأخرى آتية من «ثقافة» شمولية تجد في العنف حلاً لكل معضلة وعلاجاً لكل مشكلة واختصاراً لكل جهد مؤسساتي دستوري قانوني قيمي أو إنساني في الخلاصة!
ولا يوجد عامل في الدول وشؤونها وسلطاتها وتركيباتها ومراكز القوى فيها، إلاّ ويعتبر الأسد عارضاً طارئاً، ودخيلاً على «عالم» ليس له، وبيئة غير متلائمة مع طبعه وطباعه!
.. ولا يوجد عامل في شؤون الطب والصحّة العقليّة والنفسيّة إلّا ويجد في رئيس سوريا السابق موضوعاً دراسياً ذا قيمة استثنائية! عدا كونه موضوعاً سهلاً يمكن لطلاب السنة الأولى في ذلك السلّم التعليمي أن يستوعبوه تماماً!
هذه «الحالة» الإعجازيّة سفّهت بالجملة مفاهيم السياسة والحكم وإدارة الدول وسوية العقل وشروط المنطق! ووصلت في إعجازها «البشري» الى حدّ اعتبار القتل الجماعي عملاً عادياً يقارب أو يماثل تصفّح كتاب أو مشاهدة فيلم سينما أو الاستلقاء في لحظة ملل!
والإعجاز بهذا المعنى يصيب البديهيات بعطب ويعطّل القدرة على المحاججة أو الأخذ بأيّ ضرب من ضروب المنطق.. تماماً مثل الحالة التي تتأتى من سؤال طفل في الخامسة من عمره: لماذا البحر مالح؟! او الجبل عال ٍ او المياه من دون طعم ولا لون الخ !! بشّار الأسد، في هذا القياس، حالة مشابهة ولكن ناضجة، عُمرياً، ولو بالشكل!
هذا «رئيس» دولة، دمّرها من أجل«الحفاظ»عليها! وقتل أهلها من أجل«حمايتهم». وباع أرضها من أجل صون«سيادتها»! ومارس كل الصنوف الواردة في طلاسم تعريفات الإرهاب من أجل محاربة«الإرهاب».. يفتت بأقصى طاقاته ويلهج بـ«الوحدة». ويدّعي محاربة التكفيريين وفي فهمه أنّ ذلك هو الوجه الآخر للدين كلّه، لكنّه ينخرط في حلف عضوي مصيري مع دولة تدّعي احتكار كل الطرق الى السماء دفعة واحدة..
هذا«إنسان» يُطلب منه النظر الى صورة طفل في الثالثة من عمره، منكوب ومجروح. فيبتسم! ثمّ يعطي صاحب الصورة، شهادة في القدرة على التمثيل!
هذا«إنسان»لو سُمح له، أو قُدّر له أن يستخدم سلاحاً إباديّاً شاملاً.. مجدداً: سلاحاً إباديّاً شاملاً ضدّ كل من يصنّفه في خانة العداء أو الخصام، لما تردّد لحظة واحدة! وهؤلاء المصنّفون في تلك الخانة، هم ملايين من السوريين وغيرهم.. ولا خطأ في الحساب!
.. مارين لوبان، ليست من طينة الأسد بالتأكيد. لكنّها في مكان ما، تشاركه رهاب الآخر المختلف! والحالة العصبيّة ذاتها! وتنهل مثله، من صحن الأحادية في التفكير التي تجعل سويّة العقل صعبة. والحكم على الدنيا وما فيها مصاب بعطب مكين! وهما في ضيق الأفق صنوان عزيزان! كما في تطرف الرأي الدال على ضحالة ذهنية أكيدة!
طبيعي في«حالتها»أن تقول ما قالته عن بشّار الأسد. لكن المخيف فعلياً وواقعياً وعملياً وقيمياً، هو أن تقدم مرشحة لانتخابات الرئاسة الفرنسية رأيا مفاده أنّ فرنسا صارت في حاجة الى«ضمانة» من شخص مثل بشّار الأسد!!