Site icon IMLebanon

الحرب العالمية: «داعش» أولاً

«داعش» على الأبواب، هنا وهناك وهنالك. تقريباً في كل الأمكنة. يضرب فيصيب. تتحوَّل المدينة إلى أشلاء. الخوف يرث المذبحة. شعور ينتاب الناس بأنهم طرائد سهلة. يتعرفون على الموت، يشاهدونه وجهاً لوجه. يملأ الساحات والشوارع والأمكنة الآمنة بالدم والقتل، ويَعِد بالمزيد. آلة الموت بيد مَن يتقن استعمالها ضد الجميع، بمن فيهم الأبرياء.

قبل زمن «داعش»، عاين العالم كله مشهداً مريعاً. لم يكن مسبوقاً من قبل. باريس نسخة معدَّلة عنه. في 13 تشرين الثاني (ولباريس في هذا التاريخ جروح بليغة) من العام 2008، صدَّرت أفغانستان ذئاب القتل إلى مدينة بومباي في الهند. على مدى أربعة أيام أصيبت المدينة بمسّ من الرعب والجنون. أفلت الإرهابيون أسلحتهم، قنابل وبنادق ومتفجرات. استهدفوا فندقاً كبيراً وسلسلة مطاعم ومحطة قطارات ومستشفى. الحصيلة ثقيلة: 170 قتيلاً و300 جريح.

تُركت الهند تعالج جراحها وحدها. هذه من نتائج الحرب الأفغانية، ومن تراث الصراع على كشمير. العجب العجاب، كان في بيروت. تبارت وسائل الإعلام السياسية، في تدبيج اتهام «حزب الله» و «إيران». كان ذلك زمناً يعبث مع الحقائق. كان زمناً يغض الطرف عن القاتل، ويشرّع القتل. لم يدرك أن آلة الموت «الجهادية» ستصل إلى عنقه ذات سنة. ولقد وصلت.

«داعش» من هذه الأصول الإرهابية التكفيرية. هي اليوم في كل مكان. الكل يتوقع «داعش»، ولكنه يأتي من حيث لا يدري أحد. من أيام قليلة، دسّ قنبلة في طائرة ركاب مدنية روسية. انفجرت وقتلت كل من فيها. من أيام معدودة، انفجر «داعش» بانتحاريين في ضاحية بيروت، مخلفاً يتامى وأرامل وجرحى وعدداً من الشهداء بالعشرات. ذعرت المدينة، قالت علناً: «لقد عادوا». وعاد «داعش» إلى باريس بعد مذبحة «شارلي إيبدو»، أصاب العاصمة في القلب. حوَّل المدينة إلى منصة للخوف، وبدت فرنسا يوماً من أيام الاحتلال. ثماني عمليات متتابعة، والمحصلة 130 ضحية و312 جريحاً، من الأبرياء.

والآتي أعظم؟ يبدو أن الحرب العالمية على الإرهاب بدأت إرهاصاتها الأولى، بعد تلكؤ وتباطؤ وانتظارات عقيمة. فبعدما بدأ «داعش» حربه على العالم، منذ سنوات، يستعد العالم لحربه الدولية على الإرهاب. «حزب الله» ماضٍ في معركته التي بدأها منذ عامين. نصر الله ذاهب إلى جبهات جديدة لقتال «داعش» في عقره. والضاحية مهددة بالمزيد. اطمئنان نسبي لعمليات الدهم التي تقوم بها الأجهزة الأمنية الساهرة، والتي، لولاها، لكان لبنان كله، مسرحاً لعمليات التوحش «الداعشي»، ووليمة للذئاب «الجهادية» المفترسة… الرئيس الفرنسي فرنسوا هولاند ذاهب إلى الحرب، ولكن من بعيد. طائراته الأولى تنزهت من قبل في سماء المنطقة. ليس معروفاً أي تحالف أوروبي سيلتزم بمساعدة فرنسا. حتى اللحظة، قدمت أوروبا الكلام، فيما فلاديمير بوتين، التقط نداء النجدة، وأمر قواته بالتنسيق مع الفرنسيين.

لقد تأخّر الجميع عن قتال «داعش». لذا، فقد حضر إلى عقر دار الدول التي يستهدفها. قال «داعش» بعد غزوة باريس: «هذه بداية العاصفة. هي تحذير لكل من يريد أن يتأمل ويستخلص العبر». وإحدى هذه العبر، عبرت عنها أصوات كثيرة متشائمة: «نخشى أن نتحوَّل إلى قطعان من الخائفين»، أو، بمعنى آخر: «خافوا… داعش على الأبواب، كل الأبواب. لا مكان آمناً بعد اليوم».

تأخّر العالم كله. العرب ليسوا محسوبين من هذا العالم. أنظمتهم الرسمية عاجزة أو منتظرة أو متورّطة… منذ أكثر من عام أنشئ تحالف دولي لقتال «داعش». النتيجة: صفر على عشرين.. أميركا ساعدت «البشمركة» لكونها حليفاً وثيقاً لواشنطن.

جيوش المنطقة العربية، لم تنشأ أصلاً ولم تعد أصلاً لمثل هذه الحرب. هي جيوش لحراسة أنظمة وممالك. وإذا غامرت، فضد الأخوة الأعداء. لذلك سقطت وخضعت أمام الإرهاب. كان البديل، «حشوداً شعبية»، أثارت حساسيات طائفية ومذهبية، في العراق وسوريا. قوات «البشمركة» الكردية تقاتل «داعش» مع سند أميركي حقيقي. وهي تكسب ميدانياً، لضم ما تحرّره إلى «كردستان الكبرى».

معظم دول «التحالف» متورط في توليد حركات الإرهاب لدوافع استراتيجية وسياسية. دول عظمى حرضت «شياطين الجهاد» في حروبها. أميركا وظفت الجهاديين في حروب أفغانستان، منهم كانت «القاعدة» التي ارتدّت على حليفها، وضربته في عقر عاصمته الحالية، فكانت 11 أيلول، «فاتحة عصر الإرهاب والحروب والغزوات». السعودية كانت متورّطة، والأرجح أنها فاضت بمساعداتها الجهاديين، حتى بلغوا بلاد الشام والعراق. قطر، ليست بريئة. إذا لم تكن «داعشية» فهي «نصروية» رأسمالها التكفيري يبزّ «داعش». تركيا، مذنبة، وحدودها مفتوحة لاستقبال واستيراد وتصدير الإرهابيين، على مرأى من أمنها الذي كان الراعي لحركات الجهاديين التكفيريين. أما أميركا، فكانت، في سياساتها الكونية، السبب الرئيس في استيلاد العنف الجهادي. فبعد غزوة أفغانستان السوفياتية، كان بن لادن صديقاً. بعد سقوط السوفيات في المقبرة الأفغانية، بات بن لادن و «قاعدته» من الأعداء. وبعد «غزوة» بوش للعراق، حضر الزرقاوي الأب الروحي الرجيم لتنظيم «داع» ثم «داعش». الأنظمة الاستبدادية العربية ليست بريئة كذلك. فقد استعملتهم في معارك الأخوة الأعداء.

لقد تأخر العالم، لأنه كان مراهناً على إسقاط أنظمة مضادة له، كسوريا، والعراق وليبيا، ثم في اليمن. وعلى أطلال الأنظمة المنهارة، وجد «داعش» منصة لإطلاق عصر الخلافة الجديدة.

غداً، يوم آخر. يوم باهظ الدم. حرب عالمية على الإرهاب بقيادة بوتين. فالإرهاب، أخيراً، صار أولاً.