كلما نشبت أزمة في منطقة الشرق الأوسط، تعلو أصوات محذرة من أننا على وشك الوقوع في حرب عالمية جديدة. بدأ ذلك مع “أزمة السويس” في عام 1956، التي كانت بدورها كفيلة بأن تشعل حرباً كبرى، في وقت لم يكن العالم شفي بعد من تداعيات جرح الحرب العالمية الثانية. حينها، صدقت النية في تدخل الولايات المتحدة لتقف في وجه كل من فرنسا وبريطانيا وإسرائيل ليسحبوا قواتهم من منطقة قناة السويس. وشكّل هذا الحدث، بداية النهاية لقوتين كبيرتين تسيدتا خريطة العالم على مدار قرنين من الزمان بهيمنتهما وسيطرتهما على جغرافيا قاراته.
ولم تكد المنطقة تتجاوز تلك الأزمة، إلا وتحولت إلى ساحة صراع بالوكالة للولايات المتحدة والاتحاد السوفياتي السابق، فأصبحت من جديد مسرحاً لتوتر وتحالفات، جاء على رأسها الصراع العربي- الإسرائيلي، الذي أدى إلى حرب العام 1967 وما تبعها من احتلال للأراضي العربية مجدداً. ثم كانت حرب العام 1973، التي تحررت فيها الأراضي المصرية بالحرب والمفاوضات، فيما بقي الصراع قائماً على باقي الأراضي العربية منذ ذلك الحين وما زال مستمراً لغاية الآن. وتخلل هذه الفترة، حروب أخرى كالحرب العراقية – الإيرانية والحرب الأهلية اللبنانية والانتفاضة الفلسطينية وغيرها. وتبقى الأزمة الأكبر هنا، الاحتلال العراقي للكويت في 1990 وقيام تحالف دولي بمحاربته وإجباره على الخروج منها.
وعلى رغم أن الأزمات المذكورة السابقة شكلت علامات تمهد لـ “الحرب الثالثة”، إلا أن الحصار الذي فُرض على العراق، كان بمثابة البداية الحقيقية لهذه الحرب، التي توجت بتداعيات أحداث 11 أيلول (سبتمبر)، لتأتي الذريعة على طبق من ذهب للولايات المتحدة، لتقوم باحتلال العراق وأفغانستان أيضاً، في عام 2003. وبذلك، بدأ التنظير السياسي للمحافظين الجدد، يجد تطبيقاً على أرض الواقع في الجغرافيا العربية، في ظل مجتمعات رخوة، عاجزة عن الدفاع عن نفسها، ولديها أولويات أخرى سياسية كمشاريع التوريث وغيرها، إضافة إلى كونها تفتقد القدرة على استشعار الخطر، الذي كان بدايته مع العراق الذي اُحتِل وتشَرد الملايين من أبنائه، وقتل مئات الآلاف منهم، ليتحول من بلد نفطي غني، إلى دولة يهرب منها أهاليها إلى بلاد الشتات، باستثناء من لا يملك منهم كلفة الفرار. وظل العراق يئن تحت نيران الاحتلال والحرب الأهلية، التي انتقلت منه إلى سورية واليمن، بعد ظهور تنظيم “داعش” الإرهابي. وعلى رغم هزيمة “داعش” بعد أربع سنوات من ظهوره في عام 2014، يستمر الصراع على الجغرافيا السورية منذ ثماني سنوات. وكانت النتيجة أن ملايين السوريين أصبحوا لاجئين، وقتل مئات الآلاف منهم، فيما طال الفقر والبؤس البقية المتبقية، وتهدمت البنية التحتية للدولة.
مع كل إدارة أميركية جديدة، يأتي منظرون يتفننون في التعامل مع جغرافيا المنطقة، وتمخّض ذلك أخيراً عن “صفقة القرن”، التي ظهر منها حتى الآن الاعتراف بإسرائيل وعاصمتها القدس، والإقرار بأن الجولان أرض إسرائيلية. ليبقى، على ما يبدو، أن تقدم القوى الإقليمية المعنية بالقضية تنازلات، وإلا يتم العمل على هدمها من الداخل.
* كاتب مصري.