Site icon IMLebanon

العالم يضيّع وقته بغضّ الطرف عن «الباسدران» على امتداد الشرق الأوسط

يضيّع العالم وقته، طالما ظلّت المنظومة العسكرية الأمنية الأيديولوجية، العابرة للحدود، والتي هي أيضاً شبكة مالية ضخمة، والتي اسمها «الحرس الثوري الإيراني»، منظومة يميّع الخوض في مسألتها بوصفها مشكلة عارمة قائمة بذاتها، إما لإدراجها على هامش البحث في العلاقات الإيرانية ـ الأميركية والايرانية ـ الغربية، كما لو كان «الحرس» مسألة تقنية أو جهازاً تنفيذياً، وإما لتناولها بالمفرّق، ايرانياً وعراقياً وسورياً ولبنانياً ويمنياً وخليجياً، والحكم عليها بإيجابية نسبية هنا وبسلبية عاطفية هناك، في حين يطرح «الحرس الثوري» نفسه كـ «وحدة جهادية»، كحرس شاهنشاهي وأممي في وقت واحد، وبشكل يزداد حدة وضراوة في هذه اللحظة بالذات، بما هي لحظة تقرير «الأنسب» لخلافة المرشد علي خامنئي. 

بيد أن تحاشي الخوض في مسألة «الحرس الثوري الإيراني»، وأشكال تمدّده وتفرعنه في بلدان المشرق العربي، يعني أيضاً تحاشي التقدم أي خطوة جدية على صعيد معالجات كافة الملفات الملتهبة والعالقة. لا حلول في اليمن والعراق وسوريا ولبنان من دون مقاربة دور «الباسدران» وتمدّده، وإدارته للمعارك ونسج الرابطة في ما بينها، ونقل مقاتلين من جبهة إلى أخرى، وتشجيعه على فتح جبهات جديدة. 

الافراج عن أرصدة ايران المالية ان كان يصب في حساب الحرس لن يخدم أبداً لا أمن المنطقة ولا أمن العالم. 

أما تنظيم «الدولة الاسلامية»، فإن كل الرهانات على إضعافه بمساعدة «الحرس» أدت الى تقوية هذا الحرس أكثر مما أدّت الى اضعاف تنظيم «الدولة».

الاكتفاء بالمقارنة بين أساليب وصنائع «القاعدة» و»داعش» وبين منظومة «الحرس الثوري الايراني» بتشعباتها وامتداداتها كثيراً مع تدفع مراكز البحث ودوائر التقرير الغربية والأميركية لترجيح خطورة النموذج الأول، «غير المنظورة دركات أعماله»، لا سيما في حالة تنظيم الدولة، على النموذج الثاني، الحرسي، التراكمي، التمدّدي. ولا شك ان هذه المقارنة لها ما يبرّرها لو كان من الممكن الفصل بين الأمور هكذا، وجعلها معلّقة في الفضاء، لكن الواقع ليس هكذا، الواقع تفاعلي بين هذين النمطين من «التشكيلات الجهادية العابرة للحدود»، بحيث ان إضعاف واحدة بتقوية الاخرى يعود فيقوي هذه وتلك، في حين ان استراتيجية إضعاف شاملة لكل هذه التشكيلات، هي التي يمكنها ان تضعف كل واحدة منها. إضعاف «داعش» يمرّ بإضعاف «الحرس الثوري»، وبتقليل تدخله في البلدان العربية، ودعم من يعمل على تقنين تدخله هذا، من خلال إنتاج تسويات يمنية وعراقية وسورية ولبنانية تضمن جدياً هذا الأمر. أما توهّم تقوية «الحرس» لإضعاف «داعش»، او العكس، فهذه هي الاستراتيجية الغربية الكارثية التي اعتمدت بشكل أو بآخر منذ الثورة الايرانية والاجتياح السوفياتي لأفغانستان، باختلاف المراحل والمنعطفات، استراتيجية «تجميل» التطرف السني في مواجهة التطرف الشيعي، ثم تجميل التطرف الشيعي في مواجهة التطرف السني، والتعويل على القومية العربية في مواجهة ايران، ثم التعويل على التوسعية الايرانية في مرحلة ما بعد اقتلاع نظام صدام، للتشارك معها في ادارة الحال العراقية، ثم للتشارك معها في مواجهة الظاهرة الداعشية، الامر الذي ساهم في استعصاء وانتشار هذه الظاهرة، في مسلسل رعب كوكبي متواصل، يضرب أنى استطاع، ويتبنى كل صاحب هوس تدميري على هذه المعمورة. 

العالم يضيع وقته طالما ظل يتعامل بخفة مع «سندبادية» رأس الحرس الثوري، المتنقل على جبهات القتال والتناحر المشرقية، المزمجرة مرة بوجه العرب السوريين ومرة بوجه أكراد العراق، المتدخل باليمن وبمعظم بلدان الخارطة، مع حالة خاصة في لبنان، البلد الذي يغلّب فيه «حزب الله» باسدرانيته على كل ما عداها، في شخصيته وفي تجربته من عناصر. فمشكلة الحزب ليست «ايرانيته» بالمجرد، وليست حتى موالاته لولاية الفقيه، بل ان الجهاز القابض عليه هو جهاز عضوي في «الحرس الثوري»، تماماً مثلما ان هيمنة «الحرس» على دمشق هي مشكلة لا تقل كارثية عن كارثة النظام السوري نفسه.