IMLebanon

العـالم قلـِق.. ولبـنان مُطمئـِن

اللبنانيون مطمئنون إلى أن اقتصادهم لن يتضرّر من أية أزمة مالية تضرب الأسواق العالمية من جديد. بل، بعكس ذلك، وقياساً بما جرى قبل ست سنوات، يمكن أن تشكل الأزمة المفترضة فرصة ثمينة يستفيد لبنان من تداعياتها.

فالهزة العنيفة التي ضربت بورصات العالم الأسبوع الماضي أقلقت السلطات في البلدان التي تأثرت، أو يمكن أن تتأثر بها، وأثارت الهلع لدى كل الأطراف المعنية بالأسواق المالية. لكن لبنان السياسي والمالي بقي بمنأى عن الاهتمام بما جرى، من دون مبرّر منطقي لهذه الطمأنينة الكاملة.

شكلت الهزة إنذاراً جدّياً للبلدان المتقدّمة والناشئة، مفاده أن العالم لم يبرأ بعد من آثار الأزمة المالية التي عصفت به قبل ست سنوات، وأن خطر الانزلاق إلى انهيار جديد شامل ما زال ماثلاً في الأفق العالمي.

في البداية، تسللت الأزمة إلى الأسواق خلسة ومن دون ضجيج. فمنذ منتصف أيلول كانت المؤشرات في البورصات العالمية تتراجع كل يوم بشكل محدود، ولكن مستمرّ. منتصف الشهر الجاري، يوم الأربعاء الأسود، سجّل هبوط كبير ومفاجئ في بورصات اليونان (7%) وميلانو وباريس وفرانكفورت ولندن ونيويورك. حدث هذا الانهيار بعدما تراجع سعر برميل النفط بنسبة 20% منذ منتصف حزيران الماضي، ليهبط إلى ما دون 85 دولاراً، لأوّل مرّة منذ أربع سنوات.

اشتدّ قلق المتعاملين في الأسواق من خسائر كبيرة في الأسعار، لاسيما في منطقة اليورو، وبدأت تتكشف أمامهم حقائق مخيفة عن أداء الاقتصاد العالمي. وكان بديهياً أن يتهافتوا على بيع محافظهم من الأسهم واللجوء إلى السندات ذات العائد الثابت، مما خفّض مردود هذه السندات بفعل الطلب الكثيف عليها. على سبيل المثال، انخفض مردود السندات الحكومية الألمانية إلى أدنى مستوى له منذ نصف قرن.

صحيح أن الأسواق التقطت أنفاسها بسرعة، فتماسكت بعدما أضاعت كل المكاسب التي حققتها منذ بداية العام، ولكن الخضة فتحت الأعين على الأداء الضعيف للاقتصاد العالمي، وبصورة خاصّة على النتائج المتدنية للاقتصاد الأوروبي. إن ربط انهيار البورصات بواقع الاقتصاد العالمي هو الذي خلق في نفوس المتعاملين خوفاً من إمكان تجدّد الأزمة المالية الشاملة، التي ما زال العالم يعاني من آثارها.

أفادت تحليلات المؤسّسات الدولية أن النتائج الأخيرة لاقتصاديات العالم جاءت دون التوقعات، وإن كانت النتائج المخيّبة للآمال تتفاوت في سلبيتها بين بلد وآخر. فالنموّ الاقتصادي نهاية العام الجاري لن يكون أفضل من النموّ المحقق في العام الذي سبق، ولن يتعدّى في الدول المتقدّمة مستوى 1,8%. واستخلصت هذه المؤسّسات، في ضوء الظروف المالية والجيوسياسية المتدهورة، أنه لا مجال لتوقعات مطمئنة في المدى المنظور.

نقلت جريدة «لوموند» الفرنسية عن بول ميلز، ممثل صندوق النقد الدولي في المملكة المتحدة، أن انخفاض أسعار المواد الأوّلية والنفط في الفترة الأخيرة يثير القلق من تراجع النشاط الاقتصادي في أوروبا والصين. وكتب زميله أوليفييه بلانشار، رئيس قسم الدراسات في الصندوق، أن التراجع في مسار الاقتصاديات العالمية يترك آثاراً سلبية على الثقة والطلب ومعدّلات النموّ.

وفيما القلق يقضّ مضاجع السلطات المسؤولة في الدول المتقدّمة والناشئة، خوفاً من تجدّد الأزمة المالية العالمية، فإن لبنان الرسمي ينام على حرير، كأن هذه التطوّرات مجرد «تفاهات» لا تعنيه.

يمكن تفسير هذا «النأي بالنفس» عن هموم الاقتصاد العالمي بأن الدولة اللبنانية عاجزة عن حلّ مشاكل أبسط كثيراً من التأثير المحتمل للأزمات الدولية على الاقتصاد اللبناني. هي مستقيلة من التخطيط لأمور أقلّ شأناً من هذا الموضوع الكبير، ولا تبذل جهداً لإصدار الموازنة العامّة، التي تشكل تخطيطاً بديهياً وقصير الأمد للسياسات العامّة في البلاد.

ربّما كان السبب الآخر لهذا الاسترخاء هو الاعتقاد بأن الأزمة المالية العالمية السابقة جاءت بنتائج بالغة الإيجابية على لبنان، وقد نقطف ثمار الأزمة الجديدة على غرار ما حصل سنة 2008 وما بعدها. فهروب رؤوس أموال اللبنانيين، وبعض العرب، ذلك الوقت، من البلدان التي ضربها الإعصار أدّى إلى فائض تاريخي في ميزان المدفوعات اللبناني وأوصل النموّ إلى حدود 8%.

ولكن لبنان غير جاهز الآن لقطف ثمار أية أزمة مماثلة، بسبب عدم الاستقرار السياسي والأمني، ولكونه واقعاً في منطقة تحترق بصراعات دامية وانقسامات مذهبية، الأمر الذي لم يكن قائماً قبل ست سنوات.

بل إن أية أزمة من هذا النوع قد تؤدّي هذه المرّة إلى نتائج سلبية إذا أثرت على حجم تحويلات اللبنانيين غير المقيمين، التي باتت مورداً رئيسياً للاقتصاد اللبناني، أو إذا أدّت إلى ارتفاع الفوائد العالمية على سندات الدين الحكومية نتيجة حاجة الحكومات لمزيد من الاقتراض.