يبدو «حزب الله» طارئاً على المقاومة بـ»الكلمة». من كثرة كلامه يُدان، أكان الكلام الذي يصدر عن أمينه العام السيد حسن نصرالله، أو بيانات كتلته النيابية التي تجلّت مؤخراً بالهجوم على تيار «المستقبل«.
يظن المرء لوهلة أن من يكتب بعض بيانات «حزب الله» يقوم بـ»واجب التآمر» عليه، أو أنه يدسّ له السمّ في عسل اتهام تيار «المستقبل» بما هو فيه، لشدة ما تبدو اتهامات الحزب للآخرين مفصلة على مقاسه.
كان الزميل نديم قطيش محقاً حين دعا السيد نصرالله إلى مساءلة ومحاسبة من يمده بالتقارير الإعلامية حول ما يجري في لبنان والمنطقة والعالم، بعدما بدا في إطلالته الأخيرة يعيش في عالم غير الذي نعيش فيه، ويقرأ صحفاً غير التي نقرأها، ويمضي وقته في مشاهدة الفضائيات الممانعة التي أمست أسيرة «الانتصارات الوهمية» في سوريا واليمن والعراق، التي تكذب بها على جمهورها، وحتى على نصرالله نفسه.
ما سبق ذكره مجرد مقدمة بسيطة للقول إن «حزب الله» يعيش في حالة هذيان. لا يهم ما هو سببها، أكان جنونه من «عاصفة الحزم»، أو قلقه من «الاتفاق النووي». المهم أن «حزب الله» بعدهما ليس كما كان قبلهما، ولم يبدُ يوماً هزيلاً في ردوده السياسية كما هو اليوم. حالته تُثير الكثير من الأسئلة، يبدو كمن يبحث في «كلمات الوهم» عن انتصار، تبدد في اليمن بفعل «عاصفة الحزم»، ويبدو «بعيد المنال» في سوريا حيث احترقت «مقاومته«.
أما في لبنان، فبدا «حزب الله» أعجز من أن يحقق أي انتصار. خسر بالسياسة ما حققه بالسلاح منذ العام 2005، بفعل معادلة تيار «المستقبل» الذهبية بأن ما أُخذ بالسلاح لا يُسترد بسلاح مضاد، بل يُسترد بالسياسة، وبالثبات على صورة رفيق الحريري، والاقتداء بتجربته الوطنية، بعدما استرد لبنان من سلاح الحرب بالسياسة وحدها، حتى كان «اتفاق الطائف»، في زمن كانت الكلمة القاتلة فيه للسلاح والسلاح المضاد.
إذاً، في السياسة يُكرم المرء أو يهان. والواضح أن «كرم« تيار «المستقبل» في السياسة جعل «حزب الله» يُهين نفسه مرات ومرات، بدليل أن الحزب فشل في استدراج تيار «المستقبل» إلى «ملعبه العسكري»، ونجح التيار في استدراجه إلى «ملعبه السياسي»، تماماً كما فشل الحزب في تأمين نصاب دعوته اللبنانيين إلى التقاتل في سوريا، ونجح تيار «المستقبل» مع باقي اللبنانيين في تجنيب لبنان ويلات تورط الحزب في الحرب السورية.
ألم يضع الرئيس سعد الحريري النقاط على حروف اعتدال تيار «المستقبل» في وجه تطرف «حزب الله» بقوله قبل عام: «الفرق بين الاعتدال والتطرف يكمن في دعوة اللبنانيين الى التصالح في لبنان بدل التقاتل في سوريا»؟
وبعد، ألم ينصح «حزب الله» التيار بأن يكون «فطناً» في التعلم من التجارب السابقة؟ الواضح أن تيار «المستقبل» كان «فطناً» بما فيه الكفاية ليتعلّم من تجربة رفيق الحريري. أما «حزب الله» فيبدو فاقداً لأي «فطنة» في التعلم من تجارب الحاضر أولاً، قبل أن يتعلّم من تجارب الماضي.
ليت الحزب ينصح نفسه، ويستمع لنصائح من كان ولا يزال «فطناً» بقوة تجربة رفيق الحريري، قبل أن ينصحه، أو يتهمه حتى، فـ»دود» الاتهامات من «حزب الله» وفيه!