IMLebanon

هل يكون العماد ميشال عون رئيساً للجمهوريّة؟

العماد ميشال عون مرشحاً لرئاسة الجمهورية. لم ييأس ولم يفقد عزمه ولا أمله. فهو يحق له ان يفكر بالرئاسة وان يطمح إليها لألف سبب وسبب… فمن حيث المبدأ كل شخصية سياسية او عامة لديها الطموح إلى الوصول إلى أعلى المراتب والمناصب والمسؤوليات في الدولة وهذا طموح مشروع ومبرّر، فكيف إذا كان هذا السياسي زعيماً ويمثل شريحة واسعة من المسيحيين.

انصاره وتياره يقولون ايضاً وفي هذا المجال تحديدآ ان لعون الأحقية بالرئاسة وهو أهل لها وجدير بها، واما التقدم في العمر فانه لا يشكّل عائقاً، وليس هو علامة ضعف ووهن وانما علامة نضوج واقتدار.

العماد عون بدأ حياته السياسية بعد خروجه من قصر بعبدا رئيساً لحكومة انتقالية في ظل فراغ رئاسي، ويريد ان يتوج حياته السياسية بالعودة رئيساً إلى قصر بعبدا في ظل فراغ رئاسي ايضاً.

للعماد عون حساباته وقراءته الخاصة للوضع في لبنان والتي تجعله متشبثاً بترشيحه ورافضاً فكرة الانسحاب من المعركة. فهو يستند إلى دعم «حزب الله»، كما يعتبر انه نجح في فتح خطوط متفاوتة الحجم مع كل القيادات والقوى ولم يعد لديه مشكلة مع أحد، ولديه كل الاستعداد لأن يكون في سياساته ومواقفه متناسباً ومنسجماً مع موقعه الرئاسي وان يفرّق في تصرفاته وقراراته بين «عون الزعيم» و«عون الرئيس».

وتزداد هذه الرغبة لديه الحاحاً لأنه يخوض آخر معاركه الرئاسية والسياسية وبالتالي لا تحتمل هذه المعركة لا تأجيلاً ولا خسارة ولا تنازلات. وهذا ما يفسر كيف ان عون مستشرس ومتمسك بترشيحه ولا يتخلى عنه ولا يتزحزح عن موقفه وموقعه وليس مستعداً لتلقي عروض بديلة وجوائز ترضية ولا لأن يلعب دور «صانع الرئيس» والناخب الأول والأقوى.

وفي المقابل ايضاً هناك شريحة من المسيحيين لا يوافقون هذا المنطق ويعتبرون ان العماد عون هو من اضعف المسيحيين واوصلهم الى ما وصلوا اليه بسبب حروبه العبثية وهوسه بالسلطة، وانه هو من ادخل السوريين الى المناطق المسيحية بعدما كان ذلك متعذراً عليهم لسنوات عديدة بسبب سوء تقديره السياسي، كما ان هناك شريحة اساسية من المسلمين يعتبرون ان وصول عون إلى الحكم سيجر البلاد إلى مواجهات سياسية كبيرة وشرسة لا يحتملها لبنان.

وهنا وبكل موضوعية اقول ان الوقائع والتطورات تخالف القراءة التفاؤلية «للتيار الوطني الحر» وتفيد ان حظوظ عون الرئاسية لم تتقدم. وبان المسألة ليست في ان يريد عون أو لا يريد الرئاسة، بل المسألة هي في قدرته على ان يصبح رئيساً للجمهورية وما إذا كان لديه فرص وامكانية الفوز بالموقع الأول في البلاد أم لا…

هناك أولاً العوامل والظروف المتصلة بمعركة رئاسة الجمهورية والمؤثرة فيها، وهي خارجة عن إرادة العماد عون وأقوى من جميع القوى السياسية في لبنان. فلبنان حتى لو نجح في تحييد نفسه والحفاظ على استقراره وأمنه حتى اليوم ولو بالحد الادنى وسط محيط متفجر، إلا انه يبقى جزءاً من معادلة اقليمية ومن مواجهة شرسة تدور رحاها في المنطقة التي تتآكلها وتتناتشها صراعات دينية ومذهبية وقومية وسياسية. وأبرز هذه الصراعات وأشدها وطأة وانعكاس على لبنان هي التي تدور بين «ايران والسعودية»، والتي تجعل من انتخاب رئيس للجمهورية حتى اليوم أمراً صعباً ومتعذراً.

تُضاف إلى الضراوة الاقليمية، توازنات داخلية دقيقة على المستويين السياسي والطائفي تجعل من أي فريق سياسي غير قادر على إيصال أو فرض مرشحه… فأي فريق ليس قادراً على تأمين نصاب جلسة انتخاب مرشحه، أي نصاب الثلثين من مجلس النواب. وكل فريق بحاجة إلى التفاهم مع الفريق الآخر لكسر «مأزق اللانتخاب».

العماد عون لم ينجح ولم يوّفق في تقديم نفسه مشروع «رئيس توافقي أو وفاقي» من هنا ذهب اخيرآ الى المطالبة بانتخاب رئيس من الشعب. وهذا الاخفاق لا يتعلق بظروف اقليمية أو داخلية فقط بقدر ما يتعلق بحسابات ورهانات وإدارة خاطئة للمعركة ايضاً.

وإذا اردنا التفصيل في هذا المجال لدينا الكثير من الأمثلة والوقائع والأدلة تدل على ذلك وابرزها:

1ـ اتبع عون تكتيكاً سياسياً لا ينسجم مع استراتيجيته. فلا يمكن له وهو المتمسك بتحالفه الاستراتيجي مع حزب الله ان يطرح نفسه رئيساً وفاقياً في ظل صراع «سني شيعي» كبير في المنطقة وان يقف على مسافة واحدة من الجميع خصوصاً وان رئيس الجمهورية كرمز لوحدة الوطن وكرأس للدولة هو في موقع «الحَكَم» قبل ان يكون في موقع «الحاكم».

2ـ أعلن عون ومن اللحظة الأولى لمعركته الرئاسية وترشيحه المضمر انه ليس في صدد ان يكون رئيساً فئوياً وانه حريص على ان ينتخب باصوات الجميع مشدداً على «الصوت السنيّ» حتى انه عبّر عن قناعة لديه بان طريقه إلى رئاسة الجمهورية تمر عبر «تيار المستقبل» والصوت السنيّ وإذا لم يتوافر له مثل هذا التأييد فانه لا يرى نفسه رئيساً ولا يريد الرئاسة.

وبغض النظر عن الأسباب التي أدت بالعماد عون لايقاف حواره مع «المستقبل» وما إذا كان ذلك ينمّ عن خطأ في التقدير أو سوء فهم وتفاهم بين الطرفين فان النتيجة هي الأهم والتي يُبنى عليها، وهذه النتيجة تفيد ان «تيار المستقبل» اعلن بكل وضوح وعلى لسان العديد من قياداته انه لا يؤيد عون للرئاسة ولن يصوّت له وانه لم يعده يوماً بالرئاسة.

3 ـ وقع عون في خطأ جسيم عندما فتح معركة قيادة الجيش باكرآ فمع اقدامه على هذه المعركة الجانبية والموازية لمعركته الأساسية يكون قد شتّت جهوده وتركيزه وخسر تأييد شريحة لبنانية كانت تؤيده في الاصل كونه ابن المؤسسة العسكرية, وهؤلاء لا يقبلون بأي تعرّض واستهداف للجيش ولا يرون امكانية الفصل بين الجيش وقائده.

كان على عون ان يعرف منذ البدء ان معركته ليست مع قائد الجيش وان العماد قهوجي ليس منافسه او خصمه او غريمه وان السعيّ إلى إزاحة قائد الجيش من موقعه لن تزيد من حظوظه الرئاسية، كما ان عون لم يقتنع منذ التمديد الاول ان السعي للتغير في القيادة في هذه الظروف لن يكتب له النجاح خصوصآ ان المرحلة التي لا تحتمل لا فراغاً ولا اضطراباً ولا تغييراً في المؤسسة العسكرية, ومن الطبيعي ان تنعكس خسارة عون «لمعركة قيادة الجيش» ضرراً عليه ايضآ وان تؤدي إلى اضعافه وخفض امكانات فوزه ونجاحه في رئاسة الجمهورية.

أدار العماد عون معركته الرئاسية «بتخبط وعشوائية .. وبدل ان تصبح رئاسة الجمهورية في متناول يده أصبحت أبعد منالاً واكثر صعوبة. ولم يعد أمامه إلا الاعتراف بالواقع والتعاطي معه بموضوعية وحكمة والتعاطي مع الاحداث والتطورات بكثير من الواقعية وعدم «سلق الامور» قبل اوانها, لان عليه ان يعرف انه «من تعجل شيئآ قبل اوانه عوقب بحرمانه» …

– ملاحظة: المقال هو سلسلة من مقالات حول معظم الاسماء المطروحة لرئاسة الجمهورية نبدأ بها اليوم بالعماد ميشال عون.