IMLebanon

هل يفعلها «المستقبل»؟

ردُّ «حزب الله» على تلويح الوزير نهاد المشنوق بالاستقالة من الحكومة والخروجِ من الحوار جاء سريعاً وعلى لسان السيّد حسن نصرالله شخصياً الذي أعاد الكرة والتحدّي إلى ملعب «المستقبل»، قائلاً: «يَلي بحِبّ يبقى بالحكومة والحوار أهلاً وسهلاً به، ويَلي بدّو يفِلّ ألله معو»، وبالتالي هل يفعلها «المستقبل» فيتّكل على الله؟

التحذير الذي أطلقه المشنوق لم يأتِ من فراغ أو وليد اللحظة السياسية، بل هو نتيجة تنَصُّل «حزب الله» من التفاهم الذي نشَأ بينه وبين 14 آذار باستثناء «القوات اللبنانية» على المساكنة من ضمن سياسة ربط نزاع.

ولا رغبة موضوعياً لدى «المستقبل» و14 آذار بفكّ النزاع مع «حزب الله» والعودة إلى قواعد المواجهة السابقة تحت عناوين قتاله في سوريا وسلاحه في لبنان والمحكمة الدولية، ولكن لا رغبة أيضاً في التسليم بالواقع التعطيلي القائم الذي تَمدَّد من الرئاسة إلى الحكومة، ومِن الأمن إلى السياسة.

فالحزب أخذ ما أراده من المساكنة على مستويَين: تبريد الساحة السنّية التي تكفّلَ الاعتدال فيها بمواجهة التطرّف وتوفير الغطاء السياسي للأجهزة الأمنية من أجل ضرب كلّ المجموعات المتطرّفة، والمستوى الآخر سحبُ عناوين سلاحه وقتاله ودوره من التداول السياسي، ولكن ماذا قدّمَ الحزب في المقابل؟ لا شيء، بل الأسوأ فهو وفّرَ الغطاء السياسي لكلّ مَطالب العماد ميشال عون تحت عنوان الشراكة، تارةً في الانتخابات الرئاسية، وطوراً في التعيينات العسكرية.

وإذا تمّ غضّ النظر عن التعطيل الرئاسي المخالف للدستور، فإنّ الاستمرار بغَضّ النظر عن التعطيل الحكومي سيُدخل البلد عاجلاً أم آجلاً في الفوضى، وبالتالي كان لا بدّ من صرخة تحذيرية تدفع الحزب إلى مراجعة سياسته.

وقد أثبتت سياسة غضّ النظر عدمَ جدواها، بدليل أنّ «حزب الله» لم يجد نفسه معنياً بتنفيذ الخطة الأمنية في البقاع، على رغم الفلتان الأمني الذي وصَل إلى حدود غير مسبوقة.

فإذا كان قد تمَّ مرحلياً تجاهل السلاح المتّصل بقتال إسرائيل والقتال في سوريا، فلا يمكن تجاهل سلاح العصابات وقطّاع الطرق، خصوصاً أنّ من مصلحة الحزب عدم الظهور بمظهر المغطّي لتلك العصابات، وإعطاء الانطباع أنّ السلاح المخِلّ بالأمن في الداخل هو نفسُه الذي يقاتل في سوريا.

ولكنّ السيّد نصرالله رفض تحميلَ حزبه مسؤولية الفلتان المستشري في البقاع، وقال إنّ التقاعس تتحمّله الحكومة وحدها، سيّما أنه أعلن مراراً عن رفع الغطاء عن كلّ مخِلّ بالأمن، وبالتالي لا يمكن تحميل «حزب الله» المسؤولية قبل أن تُقدم وزارة الداخلية وتُثبت بالملموس أنّ الحزب يعمل على العرقلة.

والحزب يدرك كما عون عدمَ وجود عملية توزيع أدوار في التسوية العسكرية التي كان يعمل عليها، بل تداخَلت مجموعة عوامل سياسية وعسكرية حالت دون تمريرها، وبالتالي إعادةُ رفع الشرط نفسه الذي انتفى مع سقوط التسوية لا يُفهم منه سوى الإصرار على مواصلة التعطيل.

وإذا كان الحزب أوّل من رفعَ شعار «تعالوا نتقاتل في سوريا ونحيِّد لبنان»، فإنّ السياسة التي يتبعها ستقود حكماً إلى عودة التقاتل في لبنان، لأنّ التعطيل سيقود إلى احتدام المواجهة السياسية التي بدأت مؤشراتها بالظهور، وبالتالي الطرف الوحيد الذي يُسأل عن الأسباب التي دفعَت المشنوق إلى التلويح بالاستقالة من الحكومة والخروج من الحوار هو «حزب الله» الذي قلّصَ الخيارات إلى اثنين:

الخيار الأوّل، إعادة تفعيل ربط النزاع من خلال تفعيل العمل الحكومي والخطط الأمنية، ما يمكِّن لبنان من البقاء ضمن الحالة الانتظارية ريثما تكون الأزمة السورية دخلت مسار الحل.

الخيار الثاني، إسقاط التفاهم الذي نشأ عشية تكليف الرئيس تمّام سلام، وفتح الأبواب أمام كلّ الاحتمالات، سيّما أنّ هذا التفاهم وصل إلى الحائط المسدود في ظلّ التعطيل الشامل، وثمّة حاجة جدّية لإعادة صياغة تفاهم جديد ضمن سلّة رباعية: إنتخاب رئيس، تأليف حكومة، إقرار قانون انتخاب والذهاب إلى انتخابات جديدة، وما دون ذلك يعني استمرار التأزيم وبقاء لبنان على شفير السقوط في الهاوية.

فالتفاهم الحالي سَقط موضوعياً، ومحاولات إنعاشه لن تجدي نفعاً، و»حزب الله» لن يذهب إلى تفاهم جديد على البارد، خصوصاً أنّه غير منزعج من الوضع الحالي الذي يوفّر له كلّ متطلباته، ولكن في حال لم يُسقط «المستقبل» التفاهم الحالي لن يبادر الحزب من تلقاء نفسه إلى تغيير قواعد اللعبة طالما إنّ هذه القواعد ما زالت تخدم أهدافه.

ومن هنا مسؤولية «المستقبل» بتخيير «حزب الله» بين إحياء قاعدته للقتال في سوريا وتحييد لبنان، وبين عودة المواجهة إلى الداخل، وهذا الحِرص الدائم والزائد الذي يبديه «المستقبل» تحت عنوان «أم الصبي» سيطيح بالصبي ووالدته، كما أكّد النائب مروان حمادة في كلمته في ذكرى استشهاد وسام الحسن.

وتخيير الحزب لا يعني ابتزازه، إنّما تذكيره بعدم الالتزام بتعهّداته الحكومية والأمنية، ودعوته إلى إعادة تجديد التسوية من منطلق المساكنة-الشراكة، لأنّ استمرار الوضع الحالي لم يعُد ممكناً، حيث بات لا بدّ من إسقاط التفاهم الحالي من أجل فتح الباب أمام تفاهم جديد.

ويبقى السؤال أخيراً: هل يفعلها «المستقبل» ويستقيل»؟ وهل يذهب في مواجهته إلى النهاية على قاعدة إمّا التفعيل وإمّا التعطيل، ويضع «حزب الله» أمام خيارات جدّية، أم أنّ صرخته ستبقى في إطار رفع الصوت من دون الترجمة العملية، وبالتالي استمرار المراوحة التي تخدم الحزب وتضرّ أخصامه إلى اللحظة التي يرى فيها الحزب أنّ مصلحته تكمن في قلب الطاولة؟

وفي الإجابة تأسيساً على التجارب السابقة، لن يخرج التلويح بالاستقالة عن إطار رفع الصوت، وبالتالي المرجّح استمرار «المستقبل» في الحكومة والحوار إلى أن يقضي الله أمراً كان مفعولا؟